عندما نتكلم عن الادمان فنحن نتحدث عن حالة يعاني فيها بعض الأفراد من وجود رغبة ملحة في تعاطي مادة ما بصورة متصلة أو دورية بحيث يكمن وراء هذا التعاطي رغبة في الشعور بآثار نفسية معينة, أو لتجنب آثار مزعجة ضاغطة وتحدث عند استعمال أو عدم تعاطيها... وهنا تظهر الضرورة الزائفة حيث يقنع المدمن نفسه بأن الأمر ضروري ولا فكاك منه! وبعد الادمان مفتاح لكل الشرور يحرق أعصاب صاحبه وينتزعه من حضن أسرته ومجتمعه, ويدفع صاحبه إلي الاستدانة والاختلاس والتزوير والعدوان علي الآخرين. والمدمن يؤكد ذاته من خلال الهزيمة والتهرب من الواقع وعدم القدرة علي مواجهته بصدق وإرادة, وهو ثائر ومنتقم يتأثر من أعدائه الوهميين والحقيقيين فيتحداهم بإصراره علي الادمان.. فنراه في غالب الأحيان يضمر العداء للزوجة إذا كان زوجا ويضمر الكره للأولاد إذا كان أبا, وهو يدمن ويتعاطي ما يتعاطاه من مواد سامة تحديا لهم وتشفيا فيهم وإذلالا لمعنوياتهم!! ويعد هذا الشعور المخجل من الأمراض النفسية الخطيرة التي تجعل مصابا بجنون السيطرة والعناد لكل من يقف في سبيله أو يحاول أن يمنع هذا السلوك المخجل. والغريب في أمر( المدمن) أنه يستأنس بالأذي والألم فهو لا يريد أن يتعظ بما يحدث له فخسارته العضوية والمعنوية والمادية لا تعني لديه أي شيء, فهو لا يعرف قيمة الزمن ولا يعترف بمرور الأيام وما تتطلبه من إنجازات ومهام وأفعال تحتاج إليها أسرته ويتطلع إليها أولاده وترقبها بعين الأمل الانسانية كلها. وتتميز شخصية المدمن ببعض الملامح المعبرة عن سوء التوافق الشخصي والاجتماعي.. وهذه الملامح توضح لنا كيف يدمر الادمان شخصية الفرد وكيف يمثل الادمان عائقا خلقيا ينبغي أن نتنبه له ويعمل علي محاربته وهذه الملامح هي: 1 الإتكالية وعدم النضج الإنفعالي: الشخص المدمن يكون دائما غير قادر علي الاعتماد علي نفسه فهو يصبح عاجزا عن الاستقلال عن والديه ولا يستطيع لفرط توتره وشدة حساسيته أن يكون علاقات ثابتة وهادفة مع الآخرين, وتتميز عواطفه بالتقلب وعدم الاستقرار واختلال الاتزان العاطفي والوجداني. وكثيرا ما نري المدمن لا يستطيع أن يستمر علي حال انفعالي واحد لمدة طويلة فهو متقلب المزاج سريع الهياج. 2 السلوك العدواني والاسراف في حب الذات: يتميز سلوك المدمن بالعدوان.. فهو يريد أن يحقق كل ما يرغبه, وفي سبيل تحقيق رغباته العارمة والمسيطرة عليه يحطم كل العوائق ويرتكب أبشع الجرائم في سبيل الحصول علي ما يريد فهو يحب الاشباع الفوري ويميل إلي كل ما يحقق في الحال حتي لو علي حساب الآخرين فإذا اقتضت الضرورة في سبيل الحصول علي ما يحقق رغباته أن يستحق جماجم الآخرين فنراه بسحقها دون وجل أو ندم!! هو يحب نفسه ويسرف في نرجسيته فلا يستطيع الصدأ وتقبل التأجيل, ومن الصعب بطبيعة الحال إرضاءه لأنه لا يعرف علي وجه التحديد ما الأمور التي ترضيه وما التصرفات التي تشبع أنانيته. 3 الضعف والوهن وقلة الحيلة: ويصاب المدمن بالضعف الجسمي والوهن العضلي مما يفقده حيويته ويقضي علي العوامل العضوية المنشطة فيه, وهو بهذا الادمان يحكم علي نفسه بالارتخاء العصبي الذي يصيب مكامن حيويته فيجعله في صورة شاذة لا تقوي علي شيء ولا ترغب في أي شيء, لأن شخصيته متقاعسة قليلة الحيلة لا يستطيع تحت وطأة التحذير أن تبدي رأيا أو تأتي فعلا, أو توظف إرادة!! 4 شخصية تعذب نفسها لشدة توترها وتبرمها: وتتسم شخصية المدمن بالماشوشية( أي المحبة لتعذيب نفسها) فهي تحب أن تبدو غاضبة لأقل الأسباب, وتحطم الأشياء لأتفه الأسباب والأمور, وهي تشعر بالقلق والتهديد والاحساس المستمر بالرغبة في التعبير عن الغضب, وهو يلجأ إلي التعاطي عند مواجهة أي موقف كأنه يضع لنفسه شرتقة من التخدير فيظن وهما أنه سوف تحميه من المواجهة وتدفع عنه الغضب فهو يعذب نفسه من خلال عدم المواجهة ويتفرج علي خيبته عند اصطدامه لفشله في تقديم الحلول الايجابية فيلوذ بالانسحاب ويستمرئ العذاب ويستسيغ التمزق والقلق الذي يشعر بهما من جراء أفعاله ومخدراته!! 5 شخصية لا تقدر الذوق والكياسة الاجتماعية. وتتميز شخصية المدمن بالخروج علي السائد المألوق من الأعراف والقيم, فهي شخصية قد خلعت( برقع الحياء) وارتضت لنفسها أن تكون موضع تهكم وتهجم من جميع أفراد المجتمع, وقد نجد المدمن يميل إلي أن يدعي الأدب والمسايرة السوية للجماعة لكنه غالبا ما يتضح الادمان علي تصرفاته وألفاظه يحكم المناخ غير الملائم الذي يعيش بين جوانبه أثناء التعاطي, واعتمادا علي المعجم اللفظي الخاص برقاق السوء تظهر منه وتتضح عليه كل عوامل قلة الذوق وما يصاحبها من تصرفات تعبر عن عدم احترامه للتقاليد والأصول والواجبات الاجتماعية أو أن لا يهمه أن يكون مهذبا ومقبولا. 6 الشعور بالسعادة المضللة: قد يشعر المدمن براحة من جراء التعاطي فتظهر عليه بعض أعراض الاسترخاء فيري أن الأمور تسير في مجراها الطبيعي ووفق مزاجه, وطبعا هذا الشعور الزائف يعبر عن فصام في الشخصية, وشعور المدمن بالسعادة الزائفة الموقفية(Euphoria) فهو يفقد احترام الآخرين ويحظي باستيائهم. ويلاحظ أن الخطر الداهم للمخدرات لا ينعكس فقط علي الشخصية التي تتعاطي المخدرات ولكن الأثر ينعكس علي أسرة المتعاطي فيسودها التوتر والشقاق والخلاف فهو ينفق الكثير علي المخدرات ولا يعطي للأسرة والأولاد إلا القليل فيحدث الخلافات وتزداد الانفعالات حدة في إطار الأسرة إلي جانب أن عاداته القبيحة وتجمع رفاق السوء في بيئته من المتعاطين في المنزل والسهر لساعات طويلة ومتأخرة من الليل, والخوف والجزع والقلق الذي يصاب به كل فرد من أفراد الأسرة وكل ما ينتمي إليها ويعرضهم لطائلة القانون مما يفزعهم وينشر الخوف بينهم وخاصة الأولاد والبنات والزوجة وهكذا لابد لكل مدمن أن يتقي الله في أفعاله وينظر بعيون الأمل ويبتعد عن الادمان.