الاهرام المسائى:2/11/2008 يعد الإدمان مفتاحا لكل الشرور, يحرق أعصاب صاحبه وينتزعه من حضن أسرته ومجتمعه ويدفع صاحبه الي الاستكانة والاختلاس والتزوير والعدوان علي الآخرين. والمعرض يؤكد ذاته من خلال الهزيمة والتهرب من الواقع وعدم القدرة علي مواجهته بصدق وإرادة, وهو ثائر ومنتقم يثأر من أعدائه الوهميين والحقيقيين فيتحداهم بإصرار علي الادمان, فنراه في غالب الأحيان يضمر العداء للزوجة اذا كان زوجا, ويضمر الكره للأولاد إذا كان أبا, وهو يدمن ويتعاطي مايتعاطاه من مواد سامة تحديا لهم وتشفيا فيهم وإذلالا لمعنوياتهم!! ويعد هذا الشعور والخجل من الأمراض النفسية الخطيرة التي تجعل صاحبها مصابا بجنون السيطرة والعناد لكل من يقف في سبيله أو يحاول أن يمنع هذا السلوك المخجل. والغريب في أمر المدمن أنه يستأنس بالأذي والألم فهو لا يتعظ بما يحدث له فخسارته العفوية والمعنوية والمادية لا تعني لديه أي شيء فهو لا يعرف قيمة الزمن ولا يعترف بمرور الأيام وماتتطلبه من إنجازات ومهام وأفعال تحتاج إليها أسرته ويتطلع إليها أولاده وترقبها بعين الأمل الإنسانية كلها. وقد أثبتت التحليلات النفسية ان شخصية المدمن بها بعض الملامح المعبرة هي سوء التوافق الشخصي والاجتماعي, وهذه الملامح توضح لنا كيف يدمر الإدمان شخصية الفرد وكيف يمثل الإدمان عائقا خلقيا ينبغي أن ننبه له ونعمل علي محاربته وهذه الملامح هي: الاتكالية وعدم النضج الانفعالي: الشخص المدمن يكون دائما غيرقادر علي الاعتماد علي نفسه فهو يصبح عاجزا عن الاستقلال عن والديه ولايستطيع لفرط توتره وشدة حساسيته أن يكون علاقات ثابتة وهادفة مع الآخرين, إلي جانب أن عواطفه تتميز بالتقلب وعدم الاستقرار واختلال الاتزان العاطفي والوجداني وكثيرا مانراه لا يستطيع أن يستمر علي حال انفعالي واحد لمدة طويلة فهو متقلب المزاج سريع الهياج. السلوك العدواني والإسراف في حب الذات: يتميز سلوك المدمن بالعدوان, فهو يريد أن يحقق كل مايرغبه وفي سبيل تحقيق رغباته العارمة والمسيطرة عليه يحطم كل العوائق ويرتكب أبشع الجرائم في سبيل الحصول علي مايريد, فهو يحب الاشباع الفوري ويميل الي كل مايحقق رغبته في الحال حتي ولو علي حساب الاخرين. واذا اقتضت الضرورة في سبيل الحصول علي مايحقق رغباته أن يسحق جماجم الآخرين فنراه يسحقها دون وجل أو ندم!! فهو يحب نفسه ويسرف في نرجسيته فلا يستطيع الصبر أو تقبل التأجيل. ومن الصعب بطبيعة الحال ارضاؤه لأنه لا يعرف علي وجه التحديد ما الأمور التي ترضيه, وماالتصرفات التي تشبع أنانيته وعدوانه. الضعف والوهن وقلة الحيلة: ويصاب المدمن بالضعف الجسمي والوهن العضلي مما يفقده حيويته ويقضي علي العوامل العضوية المنشطة فيه, وهو بهذا الإدمان يحكم علي نفسه بالارتخاء العصبي الذي يصيب مكامن حيويته فيجعله في صورة شاذة لا تقوي علي شيء.. ولا ترغب في شيء. شخصية متقاعسة قليلة الحيلة لا تستطيع تحت وطأة التخدير أن تبدي رأيا, أو تأتي فعلا, أو توظف إرادة. شخصية تعذب نفسها لشدة توترها وتبرمها: وتتسم شخصية المدمن بأنها محبة لتعذيب نفسها فهي تحب أن تبدو غاضبة لأقل الأسباب وتحطم الأشياء لأتفه الأمور وهي تشعر بالقلق والتهديد والاحساس المستمر بالرغبة في التعبير عن الغضب, وهو يلجأ الي التعاطي عند مواجهة أي موقف وكأنه يضع لنفسه شرنقة من التخدير فيظن وهما أنها تحميه من المواجهة وتدفع عنه الغضب فهو يعذب نفسه من خلال عدم المواجهة ويتفرج علي خيبته عند اصطدامه لفشله في تقديم الحلول الايجابية فيلوذ بالانسحاب ويستمريء العذاب ويستسيغ التمزق والقلق الذي يشعر بهما من جراء أعماله ومخدراته. شخصية لا تقدر الذوق والكياسة الاجتماعية: وتتميز شخصية المدمن بالخروج علي السائد المألوف من الأعراف والقيم فهي شخصية قد خلعت برقع الحياء وارتضت لنفسها أن تكون موضع تهكم وتهجم من جميع أفراد المجتمع, والمدمن يميل الي أن يدعي الأدب والمسايرة السوية للجماعة, لكنه غالبا ماينضح الإدمان علي تصرفاته وألفاظه بحكم المناخ غير الملائم الذي يعيش بين جوانبه أثناء التعاطي واعتمادا علي المعجم اللفظي الخاص بجماعة التعاطي رفاق السوء تظهر منه وتتضح عليه كل عوامل قلة الذوق ومايصاحبها من تصرفات تعبر عن عدم احترام التقاليد والأصول والواجبات الاجتماعية. ونظرا لهذه الملامح السابقة لشخصية المدمن تري أنها تمثل اعاقة أخلاقية ينبغي أن نهتم بها, وبحيث يكون الاهتمام موجها بطريقة إرشادية وعلاجية توضح لكل من يتصور وهما من المدمنين أنه مجبر علي التعاطي أو أن حريته وإرادته في أمر رفض الاستمرار في هذا السلوك ليست سوي وهم من الأوهام, وكأنه قد كتب عليه هذا المصير المشئوم.. مصير الاستمرار في تعاطي المخدرات, ولا أمل في العلاج. والواقع أن هذه الضرورة الزائفة وهم من الأوهام تحتاج الي أن نقف أمامها وقفة جادة نتطلع الي التخلص من هذا الوباء الخطير.