أنا كاتبة رسالة الابتسامة المفقودة التي أدمن زوجها وجاءت اليك تطلب المساعدة لسداد دين العملية التي أجريت له في ذراعه وشكت اليك متاعب الحياة وعدم القدرة علي المعيشة وتفضلت بنشر قصتي. وجاءني رد قرائك الكرام بسداد الديون ثم صرفت لي شيكا بمبلغ يقارب عشرة آلاف جنيه. ولعلك تذكرتني, فمن يعيش معاناة الناس لا ينسي البسمة التي رسمها علي وجوههم وما أحدثته معي يا سيدي من تغيير في حياتي كان ظاهرا جدا علي وعلي زوجي, ودعني أروي لك باقي فصول الحكاية, فلقد تعافي زوجي من إدمانه, وعشت أسعد أيامي مع زوج صالح يشعر بي وبابنته ويحتويني بحنان وإشفاق لما مررت به معه من متاعب وأحسست أن ما فيه رضا من الله عني وتعويض لي عن صبري. وأخبرتك وقتها بأن زوجي سوف يتسلم عملا جديدا, ثم استأجرنا شقة وبدأ زوجي العمل وأخذنا في ترتيب حياتنا بمنتهي السعادة والرضا, وكان زوجي في حاجة الي عملية أخري في نفس الذراع التي أصيب فيها من قبل, وكان زوجي يتألم كل يوم لخروج صديد مستمر من مكان العملية القديمة وكان منظر يده كفوهة البركان يقذف منها الصديد وشئ شبيه بالدم وأخذت تتسع كل يوم الي أن أجري لنا العملية طبيب جيد بنجاح. وبعدها استأنف زوجي عمله الجديد بتفاؤل وكان يتابع علاجه مع الأخصائية بالمستشفي كل اربعاء وأحيانا كل أسبوعين ولم أزعجه بالديون وانشغلت بها وحدي خوفا من أن يشعر باليأس فتنتكس حالته ويصعب علاجه وبمرور الأيام اندمج زوجي في العمل كثيرا وحقق نجاحات في مبيعاته وكنت سعيدة وفخورة به. وبدأت أشعر بأن لي سندا وليس المطلوب مني أنا وحدي أن أقوم بكل شيء.. الزوجة والرجل في الوقت نفسه, وبدأت ألقي بالمسئوليات عليه وانقطع اتصاله بالإخصائية لانشغاله بعمله وعدم قدرته علي أخذ الاجازات وظننت حينها أنه شفي تماما ولن يعود مهما حدث الي ما كان عليه بعد أن جرب ما أوصلنا اليه الادمان. وحينما شعر أهله بتحسن أحوالنا اقتربوا منا وفرحوا بنا وابتسمت لنا الحياة. ولكن هم الدنيا ظل يطاردني ولم أعد أقدر علي الحياة وأنا مديونة خاصة أنني أري الأشخاص الذين استدنت منهم كل يوم وأشعر بالحرج الشديد أمامهم وجلست إلي زوجي وبكيت أمامه بحرقة وقلت له أشعر بي, فأنا أختنق خصوصا أن مرتبي لا أستطيع أن اسدد منه القرض القديم الذي سبق وأخذته قبل الزواج, واعتمدت عليه في فكرة سداد الديون, وكان هو في حينها بالكاد يستطيع أن يوفي باحتياجاتنا الأساسية من مأكل وإيجار شقة بجانب المتبقي من مرتبي وهو كله لايتجاوز خمسمائة جنيه من عملي كمدرس مساعد بالجامعة وبعدها بدأت ألاحظ تغييرا في زوجي وعرف الكذب طريقه إليه وبخبرتي السابقة معه ادركت عودته للادمان ولكني كذبت نفسي وألححت عليه ان يخبرني بالحقيقة فاعترف لي بأنه أخذ جرعة واحدة فقط فبكيت ساعات طويلة وعاودت الاتصال بالاخصائية التي كانت تعمل معه وأقنعته بالذهاب اليها من جديد, وسألتها: بالله عليك أخبريني هل سأعود لما كنت فيه مرة أخري؟ وهل نسي كل ما فعلته لأجله, فأجابتني لا.. ولكنها طبيعة مرضه, فالادمان مرض مزمن وكان يجب لكي لا يعود اليه أن يتابع معي تطور حالته علي الأقل لمدة عام.. مرة كل اسبوع وان سبب انتكاسته أصدقاء مدمنون معه في العمل. إنني اعرف وأشعر بأن ما دفعه للتعامل معهم وسلوك مسلكهم هو إسنادي إليه المسئولية فجأة. وأنا نادمة أشد الندم وليتني ما فعلت فحياتي وأنا رجل وامرأة في آن واحد أفضل مئات المرات من التعايش مع زوجي وهو يتعاطي المخدرات. كانت هذه الانتكاسة في أواخر شهر يونيو الماضي وأصبت بالاكتئاب وجاءتني حالة غريبة وهي أنني وبدون ارادة مني أقطع شعري إلي أن أحدثت لنفسي صلعا في مقدمة رأسي وأتأذي من شكلي فأحاول أن أمسك نفسي ولكن هيهات إذ أعود إلي هذه الحالة من حين إلي آخر!! وترك زوجي عمله في مجال المبيعات وعليه مبلغ ثمانية آلاف جنيه للعمل حيث كان يأخذ المال من صاحب العمل علي سبيل السلفة مدعيا أنني مريضة ومصابة بالسرطان ويتطلب علاجي أموالا كثيرة وهذه سلوكيات يسلكها المدمن وهذا ما عرفته وآذي شعوري جدا. إن زوجي الآن لا يعمل والاخصائية تطلب مني ألا أتعجل عمله لكيلا يتعرف علي أصدقاء سوء في العمل وتسوء حالته من جديد, وأحاول الآن عزل المخدر من جسمه ليعود إلي المتابعة مع الاخصائية وليستأنف رحلة العلاج من هذا المرض الملعون. ولقد طبقت الدنيا خناقها علينا لدرجة اننا نمكث معظم الوقت في البيت ونخشي الخروج لكيلا يرانا صاحب المنزل فيطلب الايجار المتأخر من شهرين وحتي ونحن في البيت نعيش حالة رعب خوفا من أن نفاجأ بمن يدق بابنا فيكون طالب فاتورة الكهرباء أو خلافه صدقني ياسيدي ان زوجي الآن يريد التعافي, ولكني أراه مكتئبا وعندما عرف أهله بعودته إلي الادمان انسحبوا من حياتنا بحجة أنهم لا يقدرون علي مساعدتنا ويقولون انهم يدعون له بأن يهديه الله وأن يصبرني عليه! والحل من وجهة نظري يكون بعلاج السبب في عودته للادمان.. وأري أننا لو قمنا بسداد جميع ديوننا وعمل مشروع له يشعر فيه بأنه شخص منتج سوف تتغير أحواله, خاصة أن العمل هنا لن يكون فيه متعاطون لأنه يوجد محل تحت العمارة التي نسكن فيها للايجار من الممكن أن يستأجره ويكون بجانب المنزل في كل وقت ويعمل ويتعالج ولا يفكر في ديون ولكن يفكر في مستقبله. إن ما نطلبه هو مبلغ كبير, ومن الممكن أن يقول البعض هناك مرضي أولي به منا ولكن ياسيدي أنا أطلب هذا المبلغ لسداد جميع الديون والقروض ولعمل مشروع في آن واحد, وان شاء الله سوف نسدده علي أقساط طويلة, فالمبلغ الذي ادفعه لقسط البنك هو خمسمائة جنيه وأستطيع أن ادفعه في قسط قرض ولكن حسنا وليس ربويا لأنني أخاف من أن يكون كل ما أنا فيه بسبب القرض الذي اقترضته من البنك قبل الزواج. أريد الستر والكفاف فيارب أعني علي ذلك. * أشعر بمعاناتك, وأقدر موقفك فمن الواجب علي الزوجة العاقلة الحكيمة ألا تتخلي عن زوجها, وأن تسعي بدأب وصبر لانتشاله من براثن الإدمان داخله الذي وقع فيه, وقد فعلت ذلك وأكثر وتمكنت خلال فترة وجيزة من أن تخمدي نار البركان, وأن تعيديه الي جادة الصواب. ولمست ذلك بنفسي عندما تفضلتم بزيارتي في مكتبي منذ شهور.. وقتها تصورت أنه لم يعد في الأمر مشكلة وأن من استطاعت أن تتغلب علي هذه العقبة الكؤود قادرة علي ادارة دفة السفينة الي مرفأ الآمان.. لكن ثقتك الزائدة في قدرات زوجك وذكائه جعلتك تتجاهلين أمرا مهما في مثل هذه الحالات.. وهو أن مريض الإدمان معرض للانتكاسة مرة أخري, وأنه يحتاج الي متابعة مستمرة, وألا تسند اليه مهام ثقيلة.. لكنك سارعت بإلقاء مسئوليات المنزل عليه قبل أن يتعافي تماما.. فانقطع عن مواصلة العلاج, واستغل العلاقة الطيبة التي تربطه بصاحب العمل في أخذ قرض منه لكي يتسني له شراء المواد التي يدمنها بعيدا عن رقابتك التي غابت عنه بالفعل. والحقيقة انني أقدر موقفك وسلامة قصدك وحجم المسئولية الملقاة عليك والتي لخصتها عبارتك الواضحة بأنك رجل وامرأة البيت معا.. وأقول لك ان من اختارت التحدي ومواجهة العواصف عليها أن تواصل الطريق الي النهاية دون ان تلتفت الي انسحاب الأهل من حياتهم. فلقد كان بإمكانك أن تطلبي الطلاق منذ البداية, وليذهب كل منكما الي حال سبيله فلم تفعلي ذلك ورفضت الانفصال عنه بإصرار.. ومن هنا فإن الحل الوحيد لمعالجة مشكلتكم هو أن تتولي المسئولية كاملة الي ان يقرر الطبيب شفاءه التام, وحتي في هذه الحالة عليك ان تمسكي بزمام الأمور, وتظلي كما أنت دائما صلبة قوية, ولاتلين عزيمتك مهما بلغت شدائد الزمن وتكفيك روحك الجميلة ورضاك الرائع برغم كل الصعاب والمشكلات. وواصلي دراستك للدكتوراه بنفس الحماس الذي بدأت به مشوارك الجامعي وإياك أن تصابي بالاكتئاب وتقطيع شعرك كما تقولين. أما عن المشروع الذي تأملينه والديون التي تراكمت عليكم من جديد, فأحسب ان هناك الكثيرين من ذوي الفضل والخير ممن يبتغون مرضاة الله بقروض حسنة فيضاعفها له أضعافا كثيرة.. وأنت أهل للثقة, ويمكن لأي من هؤلاء الفضلاء أن يأخذ عليك التعهدات الكاملة بسداد ما إقترضتيه منه, فلا تيأسي ياسيدتي إن فرج الله قريب.