ظهرت وجوه الفيوم في القرن الثالث الميلادي كبديل عن الأقنعة الفرعونية كوجوه شمعية رسمت لنبلاء منطقة الفيوم لتنطبع علي توابيتهم. والمعروف ان الاقنعة الذهبية التي تكتسي بها توابيت الملوك والنبلاء كانت علامة لتتعرف الروح علي صاحبها لحظة البعث ولان المصري ظل مؤمنا بالبعث حتي بعدما تحول للمسيحية فالاسلام حيث يمثل البعث والحساب قوام هذه الأديان السماوية الكبري وبعد مرور ستة عشر قرنا تعود وجوه الفيوم إلي الحياة من جديد عبر الورشة التي نظمها الفنان الانجليزي جون او كارول بمركز الفيوم للفنون خلال شهر فبراير الماضي بمشاركة خمسة عشر فنانا علي رأسهم الفنان الكبير محمد عبلة. في قاعة صغيرة بأحد شوارع الزمالك الجانبية ارتصت دون إطارات, واحد واربعون لوحة تم اختيارها من بين نتاج المعرض الذي يذكر الفنان محمد عبلة انه تجاوز ضعف هذا الرقم لتمتليء بها القاعة الصغيرة وواجهتيها. لا تنتظر ان يقدم لك المعرض وجوه الفيوم التقليدية, أو حتي وجوها جديدة تكتسي بالصبغة التقليدية لوجوه الفيوم, فلا توجد للمعرض اي قواعد سوي مايحدده عبلة الذي يقول: لقد ترك لكل من الفنانين المشاركين الحرية المطلقة في اختيار رؤاهم الفنية وطريقة تناولهم, دون الالتزام سوي بالتقنية المتمثلة في استخدام الشمع والاكاسيد كخامات للتصوير والتلوين والوجوه كموضوع. يحدد عبلة الاصرار علي الوجوه كموضع بانه موضوع برتبط بالتقنية والمكان فالشمع والاكاسيد تعد وجوه الفيوم اهم علاماتها في تاريخ الفن العالمي ونموذجها الاهم الباقي لهذا تحدد موضوع المعرض في الوجوه. هذا التحديد ربما كان ماقاد سهي بو حسين ونورا سيف وغيرهما من الفنانين والفنانات لتقديم وجوه الفيوم التقليدية بملامحها وثيابها الرومانية واعينها المتسعة ونظراتها الشاخصة. وهذه السمات التي أسقطها فنانون آخرون تماما من بينهم مروة عبلة التي استبدلت بالوجوه الروامانية وجوها افريقية سمراء غليظة اتسمت بجمالها الخاص داخل القطع الصغير الذي ميز اغلب لوحات المعرض بينما اختارت سكيستا احدي الفنانات المشاركات ان ترسم وجهها الخاص في اللوحة بثياب مصرية تقليدية. اما جون او كارول فيكسر قواعد التصوير التقليدية في وجوه الفيوم تماما في لوحته التي تضم ثلاثة متجاورة تتلاشي الحدود بينها في رؤية متميزة تختلف عن باقي ماقدم في المعرض من لوحات, اما الفنان الكبير محمد عبلة فقد اتخذت كل لوحة من لوحاته الثلاث المشاركة في المعرض سمة خاصة بها فبينما حملت احداها وجها افريقيا تم تصويره رغم تمايز ملامحه بذات الطريقة التي صورت بها وجوه الفيوم القديمة بزاوية مخالفة, حملت اللوحة الثانية وجها امتزجت فيه الملامح المصرية بطريقة الرسم القبطي الشعبية المميزة لرسوم وايقونات القديسين التي انتجت في اوج بهاء الفن القبطي, اما اللوحة الثالثة فتحمل وجه فلاحة مصرية تحمل ميراث الملامح المميزة لوجوه الفيوم. ويقول محمد عبلة ان هذه الورشة كباقي ورش مركز الفيوم للفنون تهدف لإحياء التقنيات الفنية القديمة في الأداء التشكيلي, فكثير من الفنانين يحدهم غلاء الخامات والالوان التي نضطر لاستيرادها من الخارج في حين يوجد في التراث الفني المصري العديد من التقنيات والخامات المستخدمة في التصوير والتلوين. الا ان تقنية الشمع الملون والاكاسيد التي استخدمها الفنانون في ورشة وجوه الفيوم لم تكن سهلة فكل المتعاملين مع هذه التقنية باستثناء عبلة نفسه تعاملوا معها للمرة الاولي من خلال هذه الورشة وهو مادعا منظم الورشة للاتفاق مع الفنان الانجليزي جون اوكارول الذي انتج واحدة من اجمل لوحات المعرض ليقود هذه الورشة خلال زيارته السنوية لمصر باعتباره متخصصا في تقنيات التصوير غير التقليدية والقديمة. يشار الي ان الورشة شارك فيها الفنانون محمد عبلة, مروة عبلة, سها بو حسين, سكيستا, ايفون, هاني راشد, محمد المهدي, نبيل فرغلي, احمد عنان, نورا سيف, اسلام الشرقاوي, هاني حمص, سامنثا, مي الحسيني, اسلام حسن, راندا مجدي, جون أو كارول, صوفيا ولينا اسامة