الإمام أحمد بن حنبل واحد ممن يتمتعون بمكانة كبيرة بين أعلام الحديث النبوي الشريف وهو الإمام المبجل أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني المعروف باسم إمام أهل السنة والحديث, وقد ولد سنة(164 ه) وتوفي(241 ه), وقال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أفقه من أحمد بن حنبل, وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله قد جمع له علم الأولين والأخرين, وقال أبو زرعة لعبد الله بن أحمد: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث كما كان الإمام أحمد غيورا علي السنة, شديد التأسي بالسلف, وقد كان لموقفه العظيم من المعتزلة وقولهم بخلق القرآن أثر عظيم في حفظ الدين من انتحال المبطلين, وقال قول علي بن المديني: إن الله أيد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة, وبأحمد بن حنبل يوم المحنة, وقد رحل الإمام أحمد إلي الشام والحجاز واليمن وغيرها وسمع من علمائها, وكان حافظا متقنا. وقد نشأ أحمد بن حنبل يتيما, وتعلم القرآن في صغره, وتلاه تلاوة جيدة وحفظه عن ظهر قلب, وعندما تجاوز الخامسة عشرة من عمره بدأ يطلب العلم, وأول من طلب العلم عليه هو الإمام أبو يوسف القاضي, والإمام أبو يوسف كما هو معلوم من أئمة الرأي مع كونه محدثا, ولكن مع مرور الوقت وجد الإمام أحمد أنه يرتاح لطلب الحديث أكثر, فتحول إلي مجالس الحديث, وأعجبه هذا النهج واتفق مع صلاحه وورعه وتقواه, وأخذ يجول ويرحل في سبيل الحديث حتي ذهب إلي الشامات والسواحل والمغرب والجزائر ومكة والمدينة والحجاز واليمن والعراق وفارس وخراسان والجبال والأطراف والثغور, وهذا فقط في مرحلته الأولي من حياته. ولقد التقي الشافعي في أول رحلة من رحلاته الحجازية في الحرم وأعجب به, وظل الإمام أحمد أربعين سنة ما يبيت ليلة إلا ويدعو فيها للشافعي. وقد حيل بين أحمد ومالك بن أنس فلم يوفق للقائه وكان يقول: لقد حرمت لقاء مالك, فعوضني الله عز وجل عنه سفيان بن عيينة. وينقل المؤرخون عن ابن حنبل ثباته عند المحنة فقد كان علي موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة, ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عم البلاء بها, وحمل الخليفة المأمون الناس علي قبولها قسرا وقهرا دون دليل أو بينة, فقد أعلن فقد أعلن المأمون أعلن في سنة(218 ه/833 م) دعوته إلي القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات, وحمل الفقهاء علي قبولها, ولو اقتضي ذلك تعريضهم للتعذيب, فامتثلوا خوفا ورهبا, وامتنع أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة, فكبلا بالحديد, وبعث بهما إلي بغداد إلي المأمون الذي كان في طرسوس, لينظر في أمرهما, غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه, فأعيدا مكبلين إلي بغداد, وفي طريق العودة قضي محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة, بعد أن أوصي رفيقه بقوله: أنت رجل يقتدي به, وقد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك, فاتق الله واثبت لأمر الله, وكان الإمام أحمد عند حسن الظن, فلم تلن عزيمته, أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته, فمكث في المسجد عامين وثلث عام, وهو صامد كالرواسي, وحمل إلي الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه علي حمل الناس علي القول بخلق القرآن, واتخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب, ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة, تؤيدهم فيما يزعمون, يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله. فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله. ولا يزيد علي ذلك, ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلي مقالتهم, لكنه كان يزداد إصرارا, فلما أيسوا منه علقوه من عقبيه, وراحوا يضربونه بالسياط, ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون علي جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليظة حتي أغمي عليه, ثم أطلق سراحه وعاد إلي بيته, ثم منع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق(227 232 ه/841 846 م), لا يخرج من بيته إلا للصلاة, حتي إذا ولي المتوكل الخلافة سنة(232 ه/846 م), فمنع القول بخلق القرآن, ورد للإمام أحمد اعتباره, فعاد إلي الدرس والتحديث في المسجد.