تشير الاحصاءات إلي تراجع الائتمان المصرفي خلال النصف الأول من العام الجاري بالمقارنة بالفترة نفسها من العام السابق والائتمان المصرفي هو القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك إلي مؤسسات الأعمال والأفراد بغرض توفير الاحتياجات التمويلية للمشروعات الجديدة والتوسع في المنشآت القائمة وأعمال الإحلال والتجديد والتطوير التكنولوجي في مؤسسات الأعمال وكذلك الاحتياجات التمويلية للأفراد لشراء الوحدات السكنية والسيارات وغيرها من السلع. ويتأثر الائتمان المصرفي بالحالة الاقتصادية السائدة من رواج وركود وأيضا بالسياسات الاقتصادية المطبقة وأهمها السياسة المالية من إنفاق حكومي وضرائب والسياسة النقدية من سعر الفائدة وسعر الصرف ومدي توافر النقد الأجنبي. ويرجع تناقص حجم الائتمان المصرفي خلال النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة بالعام السابق إلي تزايد حالة الركود الاقتصادي والانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي حيث يتبع ذلك تضاؤل مبيعات مؤسسات الأعمال وحجم نشاطها وبالتالي انخفاض الطلب علي الائتمان المصرفي. كما تساهم سياسة الحكومة في تخفيض عجز الموازنة عن طريق تخفيض الانفاق الحكومي وزيادة الضرائب في تعميق حالة الركود الاقتصادي وبالتالي الاتجاه السلبي للائتمان المصرفي. وتلعب قلة موارد النقد الأجنبي وسعر الصرف وتدهور قيمة العملة المحلية في رفع أسعار الواردات وبالتالي انخفاض الطلب عليها ومن ثم انخفاض الطلب علي الائتمان المصرفي. ويدعم هذا الاتجاه النزولي لحجم الائتمان المصرفي اتجاه البنوك لتخصيص قدر كبير من مواردها لتمويل إصدارات الحكومة من أذون الخزانة ذات الفائدة المرتفعة والمخاطر المنخفضة. ومن الناحية الأخري فإن انخفاض حجم الائتمان المصرفي من شأنه أن يؤثر سلبا علي حجم النشاط المصرفي ونتائج أعمال البنوك وأرباحها وبالتالي علي مدفوعاتها الضريبية للدولة. كما يؤثر تضاؤل حجم الائتمان المصرفي علي المعروض النقدي في الأسواق والذي يحد بدوره من معدلات التضخم التي يشعلها انخفاض قيمة العملة الوطنية وانخفاض موارد النقد الأجنبي وارتفاع أسعار الواردات, وبصفة عامة تعتبر سياسة الحكومة في تخفيص عجز الموازنة وتزامن ذلك مع انخفاض حجم الائتمان المصري واتجاه الاقتصاد الوطني انكماشيا وليس توسعيا رغم الحاجة الماسة إلي زيادة معدل النمو الاقتصادي لامتصاص قدر أكبر من البطالة التي باتت تمثل خطرا حقيقيا علي الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي في مصر. إن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وتأخر تدفق موارد النقد الأجنبي من السياحة واستمرار وتضاؤل فرص التصدير وتزايد معدل البطالة والفقر وانخفاض معدل الائتمان المصرفي من شأنه أن يعمق الركود الاقتصادي ويفاقم مشاكل البطالة والفقر والتي تزيد بدورها حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي. لذلك يجب علي الحكومة والنظام الحاكم الإسراع في خطي تحقيق التوافق الوطني مع القوي السياسية والمعارضة وتجنب استعداء القضاء وتحقيق الاستقرار الأمني ووضع رؤية استراتيجية متكاملة للاستنهاض الاقتصادي ورفع معدل النمو الاقتصادي من أجل عودة السياحة إلي الازدهار وعودة موارد النقد الأجنبي من الاستثمار إلي التدفق مرة أخري وكذلك الإسراع في خطي تنفيذ المشروعات القومية المعلن عنها في محور قناة السويس ووسط سيناء وجنوب الصعيد. إن الفرصة لاتزال سانحة لتنفيذ ذلك قبل أن يزداد الوضع سوءا وتزداد حالة عدم الرضا ونصل إلي نقطة يصعب معها تحقيق أي شيء.