مشهد صادم للعقلاء من أبناء هذا الوطن الممزق بين أهواء الكرسي وشهوة الانقضاض علي السلطة بين النظام الحاكم ومعارضيه فلم يكن لمصر ولا لشعبها نصيب في هذا السعي الحميم الذي يكاد يصيب. كلا الطرفين بالخروج عن الشعور من أجل السيطرة والهيمنة علي مقاليد السلطة في البلاد بعد أن تحولت إلي مغنم وليس مغرما لمن عنده ذرة من الإسلام أو من إنسانية الانسان المكرم الذي هداه الله النجدين فإذا به يسعي إلي هدم البلاد علي رأس الجميع المهم تحقيق المصالح والمطامع الشخصية الآتية دون الأخذ في الاعتبار مصالح الأمة من خلال الانتهازية السياسية التي تدمر الجميع ومعها الأوطان. إن أسوأ إفراز لثورة25 يناير هو ذلك الانسان الانتهازي المستهتر الذي لا ينظر إلي الآخرين إلا من خلال مصالحه الشخصية فأدي ذلك إلي فوضي عارمة في البلاد وتغييب للقانون بشكل متعمد مع أن العقل والحكمة تؤكد أن الحفاظ علي الصالح العام لكل الناس هو من جنس الحفاظ علي المصالح الشخصية للأفراد والجماعات وهكذا نجح الآخرون عندما وضعوا مصالح شعوبهم نصب أعينهم وفي مقدمة أولوياتهم وفوق مصالحهم الحزبية الضيقة وفشلنا نحن بعد أن سيطر الطمع والجشع علي الجميع دون تحكيم للعقل والدين بالرغم من الإدعاء بأننا مسلمون وموحدون. وأشد سوءا منه انقسام الأمة بين النظام الحاكم ومعارضيه دون وجود نقطة واحدة للالتقاء من أجل الحفاظ علي مصالح الشعب والأمن القومي للبلاد بل وجدنا الاستهزاء والإقلال من شأن الآخر ومحاولة فرض الوصاية والمصلحة الخاصة علي المصلحة العامة في وجود الاستعلاء مع أنه من المفروض أنهم يمثلون أهل الحل والعقد الذين يسعون إلي حل مشاكل الشعب من خلال التوافق والاتفاق وتقريب وجهات النظر بين طوائف الشعب المختلفة من أجل الحفاظ علي تماسك المجتمع والمحافظة علي نسيجه وتكامل بنيانه ووحدة أركانه حتي تظل ثابتة قوية أمام كل هذه الأهواء وتلك الأعاصير التي تهم باقتلاعه من جذوره, ويقع العبء الأكبر والمسئولية العظيمة علي النظام الحاكم ومؤيديه ومريديه الذين يبررون له كل أخطائه وإعوجاجه ويخونون ويكفرون معارضيه إذا هم أحدهم واتهمه بالتقصير والانفراد بالسلطة دون وجود معيار يعاير به تصرفاته وأفعاله ودون الأخذ في الاعتبار مصالح الوطن العليا, ولا مانع عندهم من تغيير الوجهة من اليمين إلي الشمال والعكس بين ليلة وضحاها في غياب العقل وتغييب الدين حتي ولو كان علي حساب الوطن وحساب الدين إذا قرر النظام تغيير وجهته فهو لا يسأل عما يفعل ويسأل الآخرون. فالحاكم هو المسئول عن صناعة القرار وتطبيقه علي أرض الواقع ولكن في خضم الأحداث الجسام التي تتعرض لها البلاد رأي المتابعون للأحداث أن النظام الحاكم بدأ يعيد تكوين نفس الصورة الذهنية للنظام البائد ويعيد تشكيله من جديد بنفس السيناريو ونفس الحوار ونفس المؤيدين والانتهازيين والمصفقين علي هواه بالرغم من قصر الفترة الزمنية في السلطة مقارنة بسابقيه, دون وجود عاقل رشيد ينبهه إلي خطورة أفعاله التي تصطدم تماما مع أقواله علي أرض الواقع فليس هناك وجه للمقارنة لما قبل الثورة مثل بعدها وإلا ستكون العواقب وخيمة علي الجميع, في عدم حصول أي تغيير ولو طفيف في آلية النظام الحاكم الجديد في تعامله مع رجال أعماله ومع معارضيه والجماهير سوي تسفيه أفكارهم والحط من أقدارهم حتي لو كانت تتم بشكل سلمي بعيدا عن العنف بعد ثورة شعبية خلعت نظاما مستبدا وطاغية سوي في الأسماء والمسميات والمظهر دون أن يطرأ أي تغيير علي الجوهر. في المقابل نجد المعارضين يحاولون الانتقام من النظام الحاكم الذي يعتقدون أنه سرق منهم السلطة في غياب الشفافية وفي عدم وجود أدني أهمية عند النظام في البحث عن الاتهامات الموجهة إليه من قبل معارضيه في كل ما يتعلق بتزوير الانتخابات الرئاسية وتمرير الدستور رغما عن أنف الجميع وتحصين مجلس الشوري الباطل لإصدار قوانين باطلة والذي اتضح بعدها طبقا لدولة القانون أن كل مؤسسات الدولة باطلة بحكم المحكمة الدستورية التي تطبق القانون في عدم وجود أي نية لإظهار الحقيقة الغائبة عن الناس وكأننا تحولنا من دولة فاشلة في عهد النظام البائد إلي دولة غامضة ويضربها الفشل من كل جهاتها الأربع. ويكتوي المصريون بنار النظام الحاكم ومعارضيه ويعيشون حياة مريرة يكتنفها الغموض وتنغص عليهم حياتهم من أجل تحصيل احتياجاتهم اليومية وبدلا من أن تخفف الثورة من عبء المعاناة المادية والمعنوية واليومية ويتفق الجميع علي الخروج من المأزق الحالي بأقل تكلفة ممكنة للحفاظ علي مصالح الوطن وساكنيه سار الطرفان عكس التيار وعلي طرفي نقيض وها هما في طريقهما إلي الإصطدام بعد أن سلما عقولهما للآخرين في غياب الناصح الصادق الأمين وفي وجود الانتهازي والمتكبر المستهتر بآمال وتطلعات الشعب في العيش بحرية وعدالة وكرامة إنسانية فهل مصر تستحق منهم كل ذلك أم أنهم لا يستحقونها؟. إن تفعيل دعوة الحوار بشكل مستعجل بين الفرقاء من أجل الاتفاق علي إطار عام يخرج البلاد من هذا الاستقطاب الحاد ويعيد إليها الاستقرار ويمنعها من الانزلاق في مخاطر جمة لا يعلمها إلا الله وعلي الذين صدروا أنفسهم للبت في أحوال البلاد المسارعة إلي الخروج من المأزق الراهن حتي ولو أدي ذلك إلي دعوة الشعب إلي الاستفتاء علي انتخابات رئاسية مبكرة شريطة ألا ينافس عليها أي من المرشحين الإثني عشر السابقين الذين نافسوا في الانتخابات السابقة بل يكونون من المستقلين. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :