يخطيء من يعتقد أن وصوله إلي كرسي السلطة هو نهاية المطاف في غياب القضاء وفي تغييب الثواب والعقاب لأن الديمقراطية عملية ممتدة تبدأ بمحطة ثم ينطلق القطار سريعا فيعد علي الحاكم سنوات عمره ونبضات قلبه وأنفاسه قبل أن يمر علي المحطة الأخري, فمن يفقد ثقة الشعب به يجب عليه أن يجدد الثقة في نفسه وإلا فعليه النزول مسرعا في أول محطة لأن هذا معناه النزول علي رأي الشعب في اختياره, وفي وجود العقل الذي يعقل الأمور ويقدرها حق قدرها والحكمة التي تغلب المصالح العامة وتقدر عظم المسئولية علي المصالح الخاصة والأنانية والنفس الأمارة بالسوء وهذه أبسط قواعد فهم عامة المسلمين للإسلام فما بالك بخاصتهم. من هذا المنطلق نجد أن الديمقراطية تمثل معني إنسانيا راقيا في التبادل السلمي للسلطة دون عنف أو إكراه أو فرض الرأي الآخر بالقوة, في وجود الشوري الذي يضع الانسان المناسب في المكان المناسب دون انتماء, وإلا تحولنا إلي مجتمع تحكمه شريعة الغاب والقوة وساعتها ستعود عقارب الساعة إلي الوراء وهو ما لم يسمح به الشعب المصري علي حد علمي بعد كل هذه التضحيات الجسام في كل ميادين الحياة. لذلك لن تكون هنا ديمقراطية حقيقية إذا كانت ديمقراطية تفصيل علي طول وعرض النظام الحاكم تتحكم فيه غرائزه وتسيطر عليها شهواته وهواه فيدفعه إلي التسلط والوقوع في فخ الأخطاء أو بسيادة رأي واحد وشيطنة الرأي الآخر أو مع الإقصاء لأن الشعب هو الحكم في نهاية المطاف علي هذا السيرك السياسي الذي تعيشه مصر هذه الأيام. فالديمقراطية لا يمكن تعبئتها وتعليبها ثم تغليفها بشكل مصطنع لا يتعدي المظهر في غياب الجوهر ثم وضعها في سوبر ماركت النظام فتقدم للناس حسب طلبه وهواه في تحقيق رغباته وتقنين شهواته حتي تكون مقبولة للجميع حتي ولو بسرية ومن وراء ستار, لأن هذا لن يخيل علي الشعب الذي يراقب النظام في كل حركاته وسكناته ويحاسبه حساب الملكين فلا كذب ولا تخوين لأن الحقائق ظاهرة للعين المجردة وأمام مرأي ومسمع من الجميع. ولأن الدول الديمقراطية التي قطعت شوطا طويلا في احترام الرأي الآخر تعتبر المعارضة جزءا أساسيا من نظام الحكم وصمام أمان وليست في عداء معه, وما يروع المعارضة أو يصيبها بالعطاس يصيب النظام الحاكم في مقتل, بالحمي والزكام. فترتفع حرارته ويفقد الاتزان وقد يدخل إلي غرفة الإنعاش فلا يفيق من غيبوبته إلا بشفاء المعارضة وتعاقبها وتوقفها عن العطاس أو يتوقف قلبه فيموت ويذهب إلي التراب. إن عدم استيعاب النظام الحاكم لهذه الحقيقة التي تربط طرفي الحكم من معارضة والنظام برباط وثيق ينعقد عليه إجماع الأمة وآمالها في التقدم والازدهار ويتوقف عليه مصالحها في كل شئون حياتها, بل وغيابه عن الواقع وتعلقه بالأحلام في القضاء علي معارضيه حتي يخلو له الجو فيواصل وصلات التخوين والإقلال من شأن الآخر فتتعطل مصالح الشعوب التي من أجلها وصل النظام إلي السلطة, إذا واصل الاستهزاء بالمعارضة والتحقير من شأنها والإقلال من وجودها وتمثيلها مع أن الثورة كانت تجمع الجميع. إن الديمقراطية الحقة وليس المصطنعة هي التي تفرز نظام الحكم الرشيد الذي يأخذ رأي المعارضة علي محمل الجد ويضعه في الاعتبار وفي إطاره الصحيح ويطبقه علي أرض الواقع ويستفيد منه قدر إمكاناته, أما الأنظمة المستبدة والديكتاتورية المتلهفة علي السلطة تعيش حلم الواقع ووهم القدرة وقوة الوهم فترتدي قناع الديمقراطية وتتنمر علي المعارضة ولا تهتم بالرأي العام فيما يجري في البلاد وتعتقد أنها بعيدة عن الحساب إذا تعدت الخطوط الحمراء. ومن ثم لم ينجح النظام الحاكم في الاختبار ولم يأخذ العبرة والعظة من سابقه لأنه لا بقاء في السلطة إلا لمن يحترم رأي الشعب وإرادته ويسعي إلي تحقيق آماله وأمانيه فالديمقراطية الحقيقية تعني الإعلام الحر الذي يسعي إلي تصويب الأخطاء والحد من السلبيات في وجود الشفافية حتي لا يكون النظام الحاكم وأتباعه عبئا علي الشعب ونفاجأ بأن القتلة واللصوص يخرجون من الاتهامات الموجهة إليهم في تخريب البلاد كالشعرة من العجين. ولا يمكن إخلاء سبيل الذين كانوا سببا في هذه الكارثة وتلك المأساة التي دخلت فيها البلاد لسوء نية النظام السابق واللاحق في إعلاء دولة القانون واحترام النظام الحاكم لقواعد الاحتكام إلي القضاء المستقل ويكف هو وأتباعه عن اتهام القضاء بالفساد الذي يستطيع أن ينظف نفسه دون سلطان لأحد عليه فهو حجر الزاوية وصمام الأمان في إقامة دولة العدل وتطبيق القانون علي الجميع الحاكم قبل المحكوم وهو الذي يرسخ مبدأ العدالة ويجعل لدولة القانون مكانة في قلوب الحاكم والمحكوم لأنه لا يوجد إنسان ملائكي ولا حتي شيطان, فهو إنسان يخطيء ويصيب ويعتريه النسيان, فيكون القضاء هو الميزان الذي يحمي الجميع أما إذا حدث العكس فانتظر الفوضي والساعة. رابط دائم :