الحفاظ علي أمن مصر واستقلالها واستقرارها يجب أن يكون الشغل الشاغل لعامة المصريين وخاصتهم والذي يقع بالدرجة الأولي علي عاتق مسئولية السلطة الحاكمة ومعها كل مؤسسات الدولة المستقلة التي تحافظ علي قوة ومكانة هذا البلد بين الشعب وفي العالم أجمع. ومن هنا كان لزاما علينا أن نؤكد أن هناك واجبا علي كل المخلصين من أبناء مصر في الحفاظ علي مؤسسات الدولة السبع مستقلة دون لف أو دوران, في الجيش والشرطة والقضاء والمؤسسة الدينية والتعليم والصحافة والفن بعيدا عن كل الخلافات السياسية ويتعين علي كل مؤسسة علاج الخلل الذي تعاني منه حتي لا نقع في المحظور وتضيع البلاد بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية وبعد النظر عن المسئولين عن صناعة القرار ومعارضيهم علي حد سواء. وفي نفس الوقت إن إضعاف هذه المؤسسات أو الحد من سلطاتها سوف يقوض مؤسسات الدولة ويضعف كيانها ويعرضها للتفكك ويشكك في عدم قدرتها علي لم الشمل وجمع الكلمة تحت سقف مصر بعد أن تتخلي الأحزاب السياسية عن أنانيتها وانتهازيتها في هذا الوقت الحرج الذي تمر به البلاد دون التفكير في العواقب المترتبة علي هذا الانفلات الأمني في طول البلاد وعرضها. فالاقتصاد يترنح ويعاني عشرات الملايين من المصريين من الفقر والمرض والجوع والحرمان, دون أدني اهتمام أو تفكير من أصحاب المليونيات الذين يزيدون من الفرقة ويوسعون من شقة الخلاف ويضعون وحدة وتماسك البلاد علي المحك ولا يكسب منهم الشعب المصري سوي الشد والجذب وتبادل العنف بين الطرفين والذي وصل إلي حد إراقة الدماء أمام قصر الاتحادية فضاعت دماء المصريين هدرا وضاعت هيبة مصر. ليس من شك في أن أحوال البورصة تنهار والاحتياطي النقدي الأجنبي يتناقص بشكل خطير والاستثمارات تهرب إلي خارج البلاد والسياحة تتعرض لمخاطر جمة والمنتجات البترولية تتناقص بشكل خطير مما ينعكس سلبا علي احتياجات الناس في المأكل والمشرب والملبس والوظيفة والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية وكأننا أمام عمل ممنهج من أجل إدخال البلاد في أزمات وراء أزمات وإصابة مرافق الحياة بالشلل. إن حرق المؤسسات ومقارات الأحزاب السياسية يعد سابقة خطيرة تعمق من الشرخ بين مكونات المجتمع المصري في ظل غياب الإجابة عن السؤال المشروع من قتل المتظاهرين عند قصر الاتحادية؟ ومن المسئول عن هذه المواجهات الدموية؟ ومن وراء حرق المؤسسات والمقارات الحزبية؟ في غياب الأمن العام والأمن الخاص وفي غياب القضاء وفي غياب دولة القانون بفعل فاعل من أجل إثارة الفوضي في البلاد. إن دخول مصر في مرحلة الدولة الرخوة من خلال الاهمال المتعمد والتراخي في عدم حسم الخلافات في العديد من الملفات المفتوحة علي مصاريعها من قبل النظام الحاكم ومعارضيه يعني أنني قد دخلنا في منحني خطير والذي علي أثره تنفجر كل الأزمات في وجه الجميع دون وجود حلول حقيقية جذرية وجوهرية لكل مشكلاتنا الحياتية أو حتي وضعنا علي جادة الطريق بالرغم من انها أقرب إلينا من حبل الوريد. وكأن القائمين علي أمر البلاد ومعارضيهم لايزالون يعيشون في مرحلة المراهقة السياسية بل ولم يصلوا بعد إلي سن الفطام في الاعتماد علي الآخرين خارج البلاد في التعاطي مع حل مشاكل مصر الاستراتيجية في غياب وتغييب علمائها وعمالها المهرة. إن مصر فوق الجميع وهي أكبر من الجميع, وهي فوق كل الأحزاب ومختلف القوي السياسية والجماعات المختلفة, وعليه فالقانون يجب أن يكون هو الحكم بين الجميع, وإلا سوف يدفع الجميع الثمن الباهظ نتيجة تخليهم عن نصرة مصر وشعبها والدفاع عن مصالحها الاستراتيجية وفك الاشتباك الواقع الآن. إن التسوية السياسية أمر ضروري وحتمي لكسر حاجز التوتر وحدة الاحتقان في البلاد ومنع العنف وإراقة الدماء بين أبناء الوطن الواحد, ولكن يبدو أن ضيق الأفق السياسي عند كل من الطرفين وعدم قدرتهما علي حسم الخلافات النفعية التي تصب في صالحهما ولاتصب في صالح الشعب المصري في الوقت الذي يفتقرون فيه جميعا إلي فن التسوية السياسية بالرغم من وجود نقاط كثيرة للإلتقاء وحصر نقاط الاختلاف في الحد الأدني.