أخطر ما تتعرض له مصر الآن هو في وجود هذا الإنقسام الحاد بين النخب السياسية بغض النظر عن مدي توافق رؤاها مع المصلحة العليا للشعب الذي عاني طويلا من الإفقار والتهميش ولا يزال يكابد ويعاني الأمرين في البحث عن لقمة الخبز التي تسد رمقه من الجوع وتحميه من شظف العيش. فلم يكن النظام البائد بعيدا عن كل هذه المآسي التي خلقها وأوجدها علي عينيه وبتخطيطه الممنهج منه أو من غيره والتي يعيشها المصريون حقيقة واقعة علي أرض الواقع فحول مصر كلها إلي مناطق عشوائية حتي المناطق الراقية ولم يكتف بذلك بل وضع حزاما ناريا من المناطق العشوائية من أجل الوصول بها إلي نقطة الانفجار فيتم تدمير الأخضر واليابس إذا تعرض وجوده في السلطة للخطر. ومما زاد الطين بلة حين ترك أكثر من خمسة ملايين مصري يعيشون في المقابر ومثلهم يعيش في الشوارع وتحت الكباري وفي المجاري والبالوعات فحولهم إلي قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في البلاد في أية لحظة, فتحولها إلي أنقاض وكانت الحاجة أم الاختراع فتحول العديد من كل هؤلاء إلي بلطجية يدفع لهم باليومية ويدارون بالريموت كنترول من قبل اللصوص والحرامية الذين سرقوا البلاد وحولوها إلي خرابة لا يجد فيها الفقراء رغيف الخبز الحاف. بل وحول العاملين المنتجين في المصانع إلي عاطلين عن العمل والإنتاج بعد أن باع القطاع العام برخص التراب ولم يكتف بذلك بل لم يتمكن من توظيف الشباب أمل الأمة في التقدم والازدهار مع أنهم في عمر الفتوة الشباب وترك الحبل علي الغارب للوساطة والمحسوبية فوضع الفاشلين في سدة صناعة القرار. هذا النظام الأفاق خرب البلاد وباع الشركات العامة برخص التراب وحول الشباب والرجال إلي عاطلين عن العمل بالرغم من سن العمل والإنتاج وسعي بكل همة ونشاط إلي تخريب الذمم وسريان الكذب والنفاق كالنار في الهشيم, وجعل الشخص الأناني والانتهازي يتحكم في مصائر الناس فكانت المحسوبية سلاحا مسلطا علي رقاب المصريين ففقدوا القدوة وضاعوا في الزحام بعدما نسوا أنفسهم كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات. بل وزاد علي كل ذلك بالعمل الممنهج من أجل نشر الأمراض بين الناس وتحطيم الشباب فكانت الأفكار الهدامة التي تسعي إلي تغريبهم وإفقادهم هويتهم وتقويض انتمائهم إلي هذه الأمة فكانت المخدرات هي السلاح الذي سعي به إلي تدمير الشباب. * وكل هذا الحصاد المر الذي عاني ولا يزال يعاني منه المصريون تحول إلي مرض مزمن وعضال من فعل النظام البائد الذي نجح في تدمير الشخصية المصرية ماديا ففقد المصريون القدوة في أنفسهم وفقدوا الثقة في من يحكمهم. وعندما خرج الشعب المصري الصامد والصابر علي بلاء النظام البائد بكل قواه الحية بشبابه وشيوخه برجاله ونسائه وصبيانه وفتياته في ثورة سلمية عارمة في25 يناير قوضت أركان الديكتاتورية وخلعت قواعد الاستبداد العفن من جذوره فحولته إلي انقاض بالرغم من سنوات طويلة من الفساد والاستبداد والإفساد فحول النظام الفاسد إلي شركة فساد تدير مصر من أقصاها إلي أقصاها دون ثواب ولا عقاب فكنت الكارثة التي حلت علي مصر في كل اتجاه. وها نحن اليوم أمام إختبار صعب وفي مفترق الطرق إما أن نحافظ علي مصر حرة مستقلة موحدة يتناسي فيها الجميع كل انتماءاتهم السياسية والحزبية وتطلعهم إلي السلطة, فنعيدها إلي الطريق الصحيح وجادة الصواب فتوضع خطط واضحة للتنمية الإقتصادية تطبق علي أرض الواقع في خط متواز مع وضع معايير وضوابط للحفاظ علي استقلال سلطات الدولة الأخري في وجود دولة القانون التي تحاكم الحاكم والمحكوم علي حد سواء, وتوفر لكل فئات الشعب المصري المهمشة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ولو في الحد الأدني من متطلبات الحياة, ودون ذلك ستكون الكارثة التي ليس لها من دون كاشفة. إن عدم التخلص من الأنا والذاتية التي أصيب بها النظام البائد في مقتل وكانت السبب الحقيقي والدافع الرئيسي وراء ثورة25 يناير والتي علي آثرها تم التخلص منه بالضربة القاضية بعدها ظن المصريون أنهم سوف يحققون مطالبهم في الحصول علي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي طالب بها الشعب في هذه الثورة العظيمة. وبعد الثورة لم يتعلم النظام الجديد من تجربة النظام البائد والذي سعي بكل همة ونشاط في إيجاد الفرقة بين المصريين فكان دائما وابدا يضع المنفستو والفرمان لمنع اجتماع المصريين وتوافقهم علي كلمة سواء فجري وراء الاستعمار وكان الهم العام القائم والخاص الشائع هو في تطبيق هذه المقولة الاستعمارية فرق تسد, فكانت الفرقة سيد الموقف وكان التأزم في الأوضاع وعدم التوافق والوفاق في الرأي والأفكار في غياب الإطار الذي يحافظ علي مصالح الشعب المصري هو الأصل وغيره الاستثناء. لانه في وجود الإطار تقدم المصلحة العامة علي مصالح الأفراد, بل وتحتم علي كل الفرقاء قياس تصرفاتهم وأفعالهم عليه والذي يجب أن تصب في نهاية المطاف في صالح الشعب المصري صاحب القرار دون مكابرة من أحد ودون احتكار للسلطة لأحد حتي ولو حاز عليها بموافقة شعبية عالية. لان اعتماد فن الحوار يعتمد بالدرجة الأولي علي القدرة علي الأخذ والرد والإقناع في وجود مساحة من القبول وفيه يعتمد علي تقديم التنازلات من أجل حماية المصالح العليا للشعب المصري في وجود المعيار الذي يحدده الإطار والذي يجب أن يعاير فيه كل المصريين تصرفاتهم وأفعالهم بغض النظر عن خلافاتهم واختلافاتهم السياسية لانه من المفروض عند الحكماء والعقلاء من الناس أن يوجه الخلاف الوجهة الصحيحة بعد اتفاق فيصب في مسار الصالح العام من أجل الوصول إلي أفضل قرار. فإذا كان الصالح العام هو الذي يتحكم في كل ما نعرضه من أفكار وما نطبقه من قرارات وعليه يثري النقاش وبه توضع الخطط والبرامج الهادفة لحل مشكلات الناس حتي ولو من خلال وضع نماذج محددة تطبق علي أرض الواقع في تحويل مسار الإدارات والهيئات والمؤسسات السيادية وغير السيادية في كل مجال من مستهلكة إلي منتجة. ومن هنا كان علي المؤسسة الرئاسية التي تأخذ بتلابيب صناعة القرار وإصداره أن تضع في الحسبان الرأي العام, لان مصر أصبحت غير مصر في عهد النظام البائد فلا يمكن لأحد أن يتمكن من أخذ زمام المبادرة من الشعب الذي أصبح صاحب القرار والذي يتمكن من خلع أي نظام بين عشية وضحاها غير مأسوف عليه طالما لا يعمل في تحقيق اهداف الثورة والحفاظ علي الصالح العام ولذلك يجب علي الرئاسة الآتي: 1 وضع ضوابط ومعايير لعزل كل من ساهم في إفساد الحياة السياسية علي مدي ثلاثين عاما. 2 تقديم حلول عاجلة لمشاكل المناطق العشوائية بآلية واضحة وفي أقصر فترة زمنية ممكنة. 3 وضع حلول عاجلة لإعادة عجلة الإنتاج إلي المصانع المتوقفة عن العمل في أسرع وقت. 4 السعي الجاد في استعادة القطاع العام الذي تمت خصخصته وبيعه بسعر التراب. 5 مصادرة كل الأموال داخل البلاد وعرض العقارات والأراضي التي نهبت من أملاك الدولة في مزاد لتغطية الدين العام وحل مشاكل الفقراء والمهمشين. 6 وضع خطة واضحة المعالم لتوظيف ملايين الشباب لها حد أدني وحد أقصي. 7 وضع خطة محددة لتدريب وإعداد الشباب في كل التخصصات من أجل إعداد الكوادر وخلق العمال المهرة مع الأخذ في الاعتبار صناعة وإنتاج العلماء في كل التخصصات. 8 تشكيل حكومة محايدة من المستقلين الذين يتميزون بالكفاءة والخبرة ونظافة اليد والعطاء من داخل كل وزارة يطرح فيها كل واحد منهم المشكلة ويقدم لها العلاج من خبرته التراكمية. في وجود الكثير من التفاصيل وعلي الجميع المساعدة في الخروج من هذه المرحلة الحرجة والمأزق الراهن بأقل الخسائر الممكنة.