كنت أسير مع السائرين وأصعد مع الصاعدين, أهبط مع الهابطين, اضحك مثل الضاحكين وأبكي في كل حين كان وجداني محبطا وحزينا فأنا لست هنا ربما ذهبت هناك ولكن متي؟ وأين أنا؟ كيف ابحث عني وبمن استعين؟ وتركت نفسي تقودني رفقة الدرب البهيم, عيناي مفتوحتان ولكنها لاتريان قدماي تخطوان علي مضض وتشدني رفيقتي. حتي أبطأ الركب وكنت علي الحافة أسرعت بالهبوط وهبط بعدي بعضهم وانتظرت أن تجذبني رفيقتي لنواصل المسير. ولكنها لم تفعل وإذا بالحافلة تمضي وهي بها تلاحقني لهفتها. وتبادرني نظراتها: لماذا لم تصمدي؟ وأنا لا أبالي إلا سهما خارجا من غمدي مصوبا ليد رفيقتي أغيثيني.. وارفعيني وتعدو بي خطاي تجرني رغبتي وغربتي لذياك الكف المكين. وتوقف الركب لأجلي وطويت أنا تلك المسافة مهرولا وتلقفتني كفوفهم. وكانت بهجتي وأنشرح صدري بعدما اجتزت محنتي وكأني تعرفت علي بعض نفسي وذقت رحيق الأمان وطقت طمعا ليطول بي الزمن القصير حينها كنا في طريقنا إلي يوم الثلاثاء كنا ذاهبين إليه بفعل الجاذبية التتابعية فهذا اليوم كم أحبه. لم يكن ذهابي اليه للمرة الأولي وإنما زرته كثيرا وتشكلت ملامحه فوق ملامحي, وتألفنا لا بفعل التعود وإنما بما جمع بيننا من صلة قرابة اللهفة بالأمل. وفي الزيارة السالفة له غمرني الذهول عندما تمردت قدماي علي رغبتي وأبتا الانصياع الي ورمتاني أمام عتبة وجودك واحرجتا بي كل شيء وكستاني العري إزاء نظرات الملتفين حولي وشفقتهم علي. وأصاب يدي العجز فلم تقو علي الاستجابة للأذرع الممدوة لإغاثتي. كنت لا انتظر إلا يديك بيد أنك أهملتني وساقك حولك وانصرفت عن مأواك تبغي الأمان والفناء. ولكنك ضللت السبيل بما هيأه لك الحول. ومكثت أتوسل إلي قدمي أن انهض واسعفاني هيا احملني وأصرت هي علي البقاء وبقيت أنا ربما عدت لتدخلني وجودك بعدما خانني تقديري وظننت أن الحياة استعصت إلا به..