جلست شوقية والتي تبلغ من العمر45 سنة أمام التلفاز تحدق فيه بانتباه وتركيز شديدين وهي تتابع ما يعرض من جهود لرجال الشرطة في ملاحقتهم للمجرمين والهاربين من العدالة والمطلوبين وكانت تتفحص وجوه وأسماء من يتم عرضهم علي الشاشة الصغيرة باحثة عن شخص محدد محفور بمخيلتها, وجه تمنت أن يتم القبض عليه, سبب لها الألم والتعاسة, وجه سرق الحياة منها, أنه( سليم) أبن عم زوجها( ربيع) وتضيق عيني شوقية وتتسع كلما ظهر علي الشاشة وجه من الوجوه التي تم القبض عليها. تساقطت دموعها بغزارة وهي تتذكر كيف تسربت حياتها من بين يديها وكيف انقضي من عمرها العام تلو الآخر حتي دخلت الأربعين وهي من العوانس خاصة بعد أن تزوج كل زميلاتها وأقاربها وجيرانها الأصغر منها سنا حتي أصبحت شوقية محل شفقة أسرتها وتمني والدها أن يتم زواجها من أول طارق لبابهم بغض النظر عن سنه أو عمله أو أخلاقه. وتنهدت شوقية وأخرجت زفيرا طويلا خرجت منها محملة بكل معاني الألم ومعبرة عن سوء البخت الذي بدأ يوم وصل( ربيع. العريس) الراغب في الزواج منها, وكان وأبوها في عجلة لاتمام الزواج بأي شكل وبأي ثمن فلم يستغرق وقت للتعرف عليه أو السؤال عنه خاصة وأن ربيع كان قد أعد شقة للزوجية في منزل أسرته الذي يسكن فيه مع أولاد عمه. انعقد الزفاف وعاشت شوقية في منزل الزوجية, ومرت الأيام, وانقضي شهر العسل الذي عاشته شوقية في شبه غيبوبة عما يجري حولها فلم تنتبه لزوار زوجها الغامضين الذين يزورونه في أوقات متأخرة من الليل ولم تسأل نفسها عن سر اللفافات التي يحضرها زوجها ويضعها في صندوق يحتفظ هو فقط بمفتاحه, وتغاضت عن حالة السكر والغيبوبة التي تصيب( سليم) أبن عم زوجها كل ليلة من جراء إدمانه شرب المخدرات واكتفت بعيشتها في بيت يوفر لها ما تريده حتي أنها لم تسأل يوما عن عمل هذا الزوج ولا من أين تأتي أمواله. راحت السكرة وجاءت الفكرة واستيقظت شوقية في منتصف ليل يوم كئيب علي اقتحام لشقتها وتفتيشها من رجال مباحث المخدرات وعثورهم في شقتها علي صندوق ملك زوجها كان مغلقا بمفتاح مع زوجها, وعندما تم كسره تساقطت منه تذاكر الهيروين وقطع من مخدر الحشيش ولفافات بانجو ومئات من الأقراص المخدرة, فتم القبض عليه ومحاكمته والحكم عليه بالسجن بتهمة حيازة والاتجار بالمخدرات. وهكذا فاقت شوقية علي حقيقة تمنت أن تكون كابوسا تعيشه في منامها فقط أنها تزوجت من تاجر مخدرات له ابن عم أصغر منه مدمن للهيروين وعائلة تتستر عليهما فانخرطت في البكاء ونعت حظها العاثر ولكنها رضيت بالمقدر والمكتوب خاصة وأنها أصبحت حاملا في شهرها الخامس, فعاشت في شقتها منكسرة منتظرة أن تضع مولودها القادم. لم تتخل شوقية عن الأمل في أن تري ملامح وجه ابنها الذي تمنت أن تمر الايام لتراه يعوضها عن الأيام المريرة التي تعيشها, وكعوض لها عن زوجها الذي نكبت فيه, ولكن علي رأي المثل( المصائب لا تأتي فرادي) فكثر تردد( سليم) ابن عم زوجها لها والمخدرات تلعب برأسه ويلح عليها بأن ابن عمه ربيع وقبل دخوله السجن ترك لها أموالا طائلة, ويريد نصيبه منها وعندما تقسم له بأنها لا تعرف شيئا عما تقوله, فينهال عليها ضربا وركلا ولا يخلصها منه إلا تدخل الجيران وسقوطها في حالة إغماء. وأغمضت شوقية عينيها وهي تعيد تصور اليوم المشئوم الذي دخل عليها سليم مخدرا تماما طالبا منها الأموال التي يتخيل أن ابن عمه تركها لزوجته وينهال عليها ضربا, فتخاف شوقية علي طفلها والذي مازال جنينا في أحشائها, وبين محاولتها حماية جنينها ورغبة سليم في جذبها وارتطامها علي الارض, فتصرخ شوقية مستنجدة لشعورها بأنها سوف تفقد طفلها الذي تنتظره فتفقد شوقية الوعي, ويتجمع الجيران وينقلوها إلي المستشفي في حالة إغماء تام فينتهز سليم هذه الفرصة فيفر هاربا. وبعد أيام تفيق شوقية وتكتشف الحقيقة المرة بأن جنينها مات في بطنها الذي كانت تنتظره, وتغادر المستشفي وتتقدم ببلاغ إلي الشرطة متهمة سليم بقتل فلذة كبدها في احشائها, فيهرب سليم من القرية وتتولي النيابة القضية وتكلف إدارة المباحث الجنائية بضبطه وإحضاره, ومازالت إدارة البحث تكثف جهودها لضبطه, ولكنه مازال هاربا. ولاتزال شوقية كل يوم تأمل أن يكون ضمن الوجوه التي يعرضها التلفاز للمقبوض عليهم الهاربين من العدالة وعلي هذا الأمل عاشت شوقية ثكلي في طفلها, ومنكوبة في زوجها المحبوس متمنية الانتقام من ابن عم زوجها القاتل والهارب.