كم رأينا من مغتربين يفخرون بحياتهم خارج أوطانهم يفخرون بمنظومة النجاح التي التحقوا بها ومارسوها وأصبحوا جزءا منها وأعطتهم الثقة بالنفس والكرامة والرفعة علي غيرهم. فالغني والرضا والاشباع وما يلحق به من كرامة الفرد وعزته قد تكون وطنا بديلا يعوض الانسان عن دفء موطنه الأصلي وحياته فيه وثقافته وطفولته وذكرياته وميله الفطري وحنينه اليه..... وتتحول مشاعر الولاء والانتماء لموقعه الجديد ومكانته التي وصل اليها خارج وطنه. وهل الأوطان إلا ذلك..... الوطن ليس جغرافيا وطقسا ومناخا وموقعا وبحرا ونهرا. فالوطن هو كرامة نفس وإحساس الاطمئنان النابع من العدل وإن الحقوق والفرص متساوية. عندما يتحدث صحابي مثل علي بن ابي طالب رضي الله عنه بحكمته وخبرته وصحبته لرسول الله متحدثا عن المجتمعات والأوطان ومشاعر النفوس البشرية وقدر الانتماء والولاء لأوطانهم فيقول: إن الغني في الغربة وطن, والفقر في الوطن غربة, والفقر يخرس الفطن عن حجته والمقل غريب في بلدته فهو يقترب كثيرا من اعماق النفس البشرية ومشاعرها. وعلي الجانب الاخريشعر الفقير بغربة في وطنه وبين اهله وعشيرته وتتضاءل مشاعره بالمسئولية نحو قومه ووطنه ثم تتصاغر احاسيس الولاء والانتماء فكيف ينتمي لمكان افتقد فيه الكرامة الانسانية وغابت عنه مشاعر عزة نفسه فهو يمد يديه طالبا للحياة والشفقة وقد يبات هو وأولاده جائعين أذلاء لا يعرفون مستقبلا ولا يأملون مساواة ولا يحلمون بتغيير. بل لعله صاحب ذكاء وفطنه ورأي ولكن سد حاجاته وعوزه وإرهاقه وانكسار نفسه قد طغي عليه فأخرسه وأسكته فتقاعس عن إبداء رأيه فضلا عن مشاركة مجتمعه. ثم تطلب منه الحكومات وأولياء الأمور أن يدافع عن وطنه كيف؟, او يكون حريصا عليه او يشعر بالمسئولية تجاهه لماذا ؟. وهل شعرت الحكومات بالمسئولية نحوه وقدمت له حياة كريمة فنام مستريحا راضي النفس مجبور الخاطر ويصبح متهيئا للمشاركة والتغيير والأصلاح ؟. يفهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تلك المشاعر ويوجزها في رسالته وهو يأمر ولاته علي الأقاليم أن يقول: وأشبعوا الناس في بيوتهم, وأطعموا عيالهم تحسن أخلاق هؤلاء الناس. والأمر ليس اجتهاد صحابي او عدل خليفة او نظرة فلسفية عميقة يتجاذبها أصحاب الفكر والخبرة إنما هو مبادئ إنسانية استوعبتها الديانات السماوية وألحقتها في منظومتها واستخدمت كل تأثيرها وقوتها لرفع وعي المجتمعات والأفراد وخلق روح المسئولية لديهم وتحذيرهم من التفريط بواجب العدالة والأنصاف. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ايما اهل عرصة(مكان) اصبح فيهم امرؤ جائع إلا برئت منهم ذمة الله تعالي. وعبربالجوع عن حاجة الأنسان الأساسية. وفي معرض بيان استحقاق الله بالعبادة امتن سبحانه بأنه قدم ووفر الطعام لجوعهم والأمن لخوفهم فهو مستحق للعبادة قال تعالي: فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف وعلي هذا النهج تعددت الاجتهادات وسارت النظم واجتمعت الآراء فيتواتر في كتب الفقه ومن بعدها دساتير الدول حقوق المواطنين علي قادتهم وحكوماتهم بين مأكل وملبس وصحة وتعليم وحياة كريمة. ومبكرا جاءت عبارة الامام الغزالي كاشفة عن هذه الحقوق وأهميتها وأولويتها حيث يقول: وصحة الأبدان مقدمة علي صحة الأديان. ويفصل ويشرح تكامل نظام الدنيا ونظام الأديان. الوطن يكون غاليا علي النفوس محفورا في القلوب إذا قدم لأهله الحياة الكريمة والعدالة والأمن وإلا فلا نلوم الأفراد والشعوب علي ضعف المشاركة وضحالة الانتماء. الامين العام لحزب الحرية والعدالة بالقاهرة