يخطئ من يظن أن النكبة الأولي وقعت بسقوط دولة فلسطين العربية في أيدي العصابات اليهودية عام1948. فالنكبة كانت حاضرة وبقوة في أنحاء الوطن العربي الذي كان كله منكوبا بالاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي. كلنا كنا منكوبين بجيوش غازية تمكنت علي مدي عقود طويلة من امتصاص دمائنا واستنزاف ثرواتنا وإهانة كرامتنا, ثم ابتلينا بتحويل أوطاننا إلي مسرح لحربين عالميتين بين القوي الاستعمارية في صراع لا ناقة لنا فيهما ولا جمل, دفعنا فيه الكثير من استقرارنا وأماننا وأموالنا وأرواح شهدائنا واستقلال قرارنا وسيادتنا علي أراضينا, ورفع فيه العرب السلاح في وجوه بعضهم البعض تبعا للطرف الذي كانوا يحاربون إلي جواره بسبب توريط كل دولة احتلال لمواطني الدولة التي تحتلها في حربها.. ألم تكن هذه نكبة في حد ذاتها؟ انتهزت الصهيونية العالمية هذا الظرف التاريخي لكي تجهز علي دولة عربية هي فلسطين بمساندة قوي الغرب الإمبريالية. الآن نعود للمربع نفسه.. حالة سيولة سياسية في الوطن العربي, ثورات وانتفاضات وصراعات ونزاعات بين الطوائف لا تقل خطورتها عن فترة ما قبل التحرر من الاحتلال الغربي, دماء تسيل في كل أرجاء الوطن الذي لم يعد وطنا آمنا متماسكا يتغني بوحدة اللغة والثقافة والتاريخ والمصير, كل جماعة تشهر السلاح في وجه الأخري, دول تقسم, وأخري في الطريق إلي التقسيم والغرب يؤجج الصراعات ويلوح بالعقوبات وبالتدخل العسكري والصهاينة يختارون بهدوء المساحة الأضعف لتوجيه ضرباتهم لترسيخ الانقسام وتعجيل السقوط. هل نحتاج65 عاما أخري لكي نبكي علي ما نعيشه من نكبات؟ الفلسطينيون لم يعودوا وحدهم لاجئين, انضم إليهم لاجئون عراقيون وسوريون وسودانيون وصوماليون ويمنيون وليبيون.. فروا من بلادهم إلي دول الجوار وإلي أنحاء متفرقة من العالم هربا من قمع أمني أو صراع مذهبي وحروب أهلية وقتل علي الهوية. اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان أحيوا ذكري نكبتهم ال65 وسط ظروف بالغة السوء زادها بؤسا تدفق آلاف اللاجئين الآخرين من سوريا لمخيماتهم التي تعاني أصلا من أوضاع بائسة منذ عقود, باتوا يتقاسمون اللقمة مع أشقائهم الفارين من جحيم الأسد. الأنوروا تنكرت لواجباتها إزائهم بعد ما أصبحت عاجزة عن مساعدتهم فضلا عن مساعدة أشقائهم السوريين! حلم العودة للوطن لم يعد حكرا علي الفلسطينيين وحدهم, بل شمل كل اللاجئين العرب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. أليس هذا زمن النكبات؟ رابط دائم :