نجحت ثورة25 يناير سياسيا إلي حد ما, ولم تنجح اقتصاديا حتي الآن, ذلك لأن الفكر الجمعي وفكر النخب ركز علي السياسة بالدرجة الأولي وجعلها شغله الشاغل حتي الآن, بينما كانت أجهزة الدولة العميقة ومؤسساتها تجرف مصر اقتصاديا باتباع ما يشبه سياسة الأرض المحروقة, فبمجرد أن سقط رأس النظام السابق ومعاونوه, بدأت الاعتصامات والاضرابات المطالبة بحقوق ضاعت لعقود طويلة, و توسعت القيادات الوسطي وبعض المحافظين في تعيينات لالزوم لها بغير حاجة فعلية وبغير اعتمادات مالية قانونية, وسرت موجة ترضيات لكل من تجمهروا أو فرضوا أنفسهم علي مصلحة أو جهة ما فعينوا وأصبحوا عبئا علي المكان بدلا من أن يكونوا عونا علي الانتاج والتقدم. أمام هذه الحالة غير المسبوقة في تاريخنا, التي غابت فيها المسئولية السياسية من الجميع, والشبيهة بتقسيم تركة الرجل المريض, و من العمل بالمثل العامي إن وقع بيت أبيك خذ لك منه قالب, والتي انتهت إلي تعظيم المكاسب الذاتية للأفراد علي حساب اقتصاد مريض, دون تقديم نتائج موازية أو حلول إبداعية ترتقي بهذا الاقتصاد, أصبحنا أمام دوائر لاتنتهي من الشك في قدرة الاقتصاد علي التعافي أو النهوض, وأمام مطامع لاحصر لها علي مستويات فئوية ومؤسسية, ومعوقات جمة تحول دون فعل اقتصادي حكومي أو خاص يمكننا من تجاوز محنة التعثر الاقتصادي. حال صنعناه بأيدينا, فاق أكثر ماكانت تحلم به دول متربصة بنا وبثورتنا, فتداعت مؤسساتها المالية لتخفيض تصنيفات مصر الائتمانية لتهز ثقة الدول والمستثمرين ومؤسسات التمويل في اقتصادنا وفي قدرتنا علي الوفاء بالتزاماتنا المالية تجاه الغير, وينتهي الأمر بنا إلي إفلاس حقيقي, وكأنها حرب نفسية تمارس ضد مصر, ومؤامرة حقيقية تعمل لها جهات دولية وتصفق لها نخب سياسية محلية من باب المكايدة والخصومة مع النظام الحاكم فقط, رغم أن المركب سوف تغرق بالجميع إن حدث مزيد من التراجع لاقتصادنا لاقدر الله. التصنيفات الائتمانية لمصر, والتي تخرج عن شركات ووكالات دولية بين آن وآخر, ليست بريئة مائة بالمائة, ولايمكن فصل أبعادها السياسية عن مراميها الاقتصادية, فبينما ذهب الرئيس محمد مرسي إلي البرازيل في زيارة ذات طابع اقتصادي, وسافر رئيس وزرائه الدكتور هشام قنديل إلي تركيا في زيارة ذات طبيعة اقتصادية أيضا, بعد تعديل وزاري ذي طابع اقتصادي, جاء سيل من التصريحات والأخبار, مصدرها مؤسسات أمريكية غالبا, لتثير موجة من التشكيك في الاقتصاد المصري, وكأنها رسالة مقصودة في توقيت محدد بعناية لإفشال مهمة رئيس مصر ورئيس وزرائه الخارجية وإثارة الغبار حول ملاءمة الاقتصاد المصري للصمود في ظل المتغيرات المحلية والدولية المتسارعة, ومن ثم تحجم الدول عن إقراض مصر أو التعامل معها اقتصاديا ويحجم المستثمرون عن القدوم إلي مصر, وإلا بماذا نفسر مسارعة وكالة ستاندرد أند بورز, وهي شركة خدمات مالية مقرها الولاياتالمتحدة, إلي إعلان تراجع تصنيف ائتمان مصر علي القروض قصيرة المدي من بي إلي سي, يوم الخميس الماضي, و بعد زيارة الرئيس الناجحة للبرازيل, بسبب ما أسمته الوكالة مخاوف من قدرة مصر علي تحقيق أهدافها المالية, والحفاظ علي السلم الاجتماعي, رغم أن الوكالة وصفت الوضع في مصر بالمستقر في التقرير ذاته, وبماذا نفسر أيضا تصريح المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس, في مؤتمر صحفي بواشنطن في نفس اليوم بأن الصندوق لا ينوي زيارة مصر مجددا لمناقشة برنامج القرض في الوقت الحالي, بينما ينتظر خططا إصلاحية من الحكومة وبيانات إقتصادية جديدة, رغم أنه قال في نفس التصريح: نحن مستعدون لدعم برنامج وطني يعالج التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها مصر...و إن الأوضاع الاقتصادية في مصر تطورت, ومن البديهي القول إن المحادثات يجب ان تأخذ في الاعتبار هذا التطور, إلا أن وكالات الأنباء والصحف العالمية أبرزت السلبي من الكلام وأظلمت المشهد لحاجة في نفسها. إن رفع تصنيف مصر وارد وممكن, كما تقول ستاندرد أند بورز نفسها, إذا أدي الانتقال السياسي في البلاد إلي تقوية التعاقد الاجتماعي, وإلي زيادة ثابتة في الاحتياطي النقدي, تتيح تخفيف الضغوط الخارجية, فهل يعي هواة السياسة ومغامروها في مصر الآن هذا الكلام؟ وهل تتكرم علينا حكومتنا الرشيدة ببيان حقيقة أوضاعنا الاقتصادية بكل شفافية في نشرة أسبوعية بحيث تقطع الطريق علي أية مزايدات داخلية أو خارجية؟ [email protected]