لا يعيب مصر أن تكون لها علاقات خارجية متعددة الأقطاب ولكن المثير للدهشة أن تعتمد تلك العلاقات علي سياسة خارجية تفتقد للثوابت التي تجعلها ذات ثقل في لعبة امتلاك بعض أساليب التعامل مع مفاتيح السياسات الإقليمية والدولية لافتقادها التوجه المحدد أو الثوابت المقنعة أو المصالح المشتركة وبالتالي فإن مخرجات هذا التعامل غير المدروس والتحرك غير الواضح سيقودنا إلي تقزيم الدور المصري. أقول ذلك لأنني لاحظت أن ما يسمونه بالمشروع المصري يتحرك كريشة وسط رياح بلا اتجاه ويتلاعب بها هواء وهوي مصالح غير محددة لا يعرف من ملامحها إلا ما يشابه ألعاب السيرك, إذ نتحرك ونتقارب مع إيران وهو أمر لو اعتبرناه محمودا لأصطدمت ثوابت سياستنا بما تفرضه سياساتها ومواقفها التي تدعم بقوة النظام السوري مثلا بينما يكشف المشروع المصري بعد الثورة عن ينبغيات أفلاطونية بأننا ندعم التحرر من حكم الفرد وديكتاتورية تصرفات نظام الأسد سواء ضد الإصلاح السياسي أو ما يمكن تسميته بتطهير عرقي ضد السنة في بلاده لصالح الشيعة, وبالتقارب المصري الإيراني ظل موقفها بلا تغيير بينما اتجه موقفنا تأثيرا أو تأثرا إلي تحرك غامض وغير محدد المعالم. وحينما اصطدمت سياستنا بمواقف ثابتة في بلدان الخليج تجاه إيران بدا موقفنا باهتا وبلا قوة واقتصر علي تصريحات استهلاكية تؤكد التقزم ولا توحي بالقوة كتلك التي قالها أمس عصام الحداد مساعد الرئيس بأن مصر لن تتخلي عن مسئوليتها كشقيقة كبري للدول العربية وأنها تتفهم دوافع وخصوصيات قرارات بعضها وسياساتها الخارجية, وأن التقارب المصري الإيراني لن يكون علي حساب ثوابت مصر والتزاماتها تجاه أشقائها خاصة في الخليج, واكتفي الرجل برسالة إلي قادة تلك الدول لا علاقة لها بالسياسة الخارجية ولا بالتقارب المصري الإيراني بتأكيده أن منطلقات السياسة المصرية هي رفض فكرة تصدير الثورة. ومثلما يصر مسئولو السياسة الخارجية علي أن العلاقة بأمريكا تقتصر علي علاقتها بفصيل سياسي وليس من منظور الصالح المصري ومصالح أمريكا ذاتها, وبنفس التناقض ذهبنا إلي الأحضان الروسية التي تعاملنا بها مع إيران ثم كانت الزيارة التي يصفها البعض بالتاريخية إلي البرازيل التي حققت نهضتها بفكر اشتراكي خالص انحاز لجموع الفقراء والكادحين قاده لولا دي سيلفا البعيد تماما عن ملامح المشروع المصري ذي الميول الإسلامية. والذي يتجاهله مسئولو السياسة الخارجية أن قوة الدولة لا تنفصل عن سياستها الخارجية الناجحة وأن الدول ذات المؤسسات القوية وأفكار السياسة الخارجية المدروسة هي التي تستطيع تحديد مكانها ومكانتها علي الخريطة وما دون ذلك فإنه يقزم الدولة ويقلل من هيبتها. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل تستمر عشوائية سياستنا بتلك الصورة التي لا تترجم تاريخنا سلبا وإيجابا ولا تعكس الوضع الحالي حقيقة أو إدعاء ولا ترسم ملامح مستقبلية تضع مصر في مكانها ومكانتها, أم أن الموقف سوف يسير بنفس العشوائية التي تحكم كل حياتنا؟