للحقد أعراض وأسباب.. يدركها جيدا من يعانيها, ومن يبحث كذلك عن علاج لها, ومنها:أولا: من أعراضه.. شعور المرء بالعداوة, والكراهية الشديدة التي تصاحبها رغبة في الانتقام من الشخص المكروه, لدرجة افنائه نهائيا, وإلغائه من الوجود.فإذا عجز الكاره عن التشفي والانتقام ممن يكره: تحولت الكراهية إلي حقد دفين, ذوغل أسود. ويصير هذا الحقد في جوف صاحبه..أشبه بالخراج الداخلي, الذي يأكل اللحم السليم, ويتلف الدم النقي, ويحرق الأعصاب, وينخر العظام.أو يصير هذا الحقد: كالحمل الثقيل, يتعب حامله, وتشقي به نفسه, ويفسد بفكره, ويشغل باله, ويقض مضجعه, ويكثر بسببه همه وغمه, حيث إنه حمل مملوءبالصخور الثقيلة المحمية, التي تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور.ويظل الحاقد يحمل هذا الحمل الثقيل الخبيث مهما حل وارتحل, حتي يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه.ثانيا: من أسبابه1. الغضب مع العجز عن الانتقام;حيث إن الغاضب, إذا عجز عن الانتقام ممن أغضبه أو آذاه, وكظم غيظه في الحال: رجع إلي الباطن, واختفي فيه..وصار حقدا.ويؤدي الحقد في هذه الحالة إلي إضمار الشر, إذ لم يتمكن من الانتقام ممن يحقد عليه, ويختفي هذا الشر إلي حين إمكان الفرصة للانتقام.منه2. خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله; حيث إن النفس الخبيثة لا تحب الخيرلأحد إطلاقا, بل تكون شحيحة بالخير يجود الله تبارك وتعالي به علي الغير.3 الحرمان.. ذلك: أن الله تعالي قد يحرم المرء نعمة: من مال, أو ولد, أوجاه, أو صحة, أو ذكاء, أو غير ذلك...فلا تطيب نفسه بذلك ولا يرضي بقسمة المولي سبحانه, فضلا عن أنه يجد هذه النعم عند غيره, ويتناسي حكمة الله في ذلك كما في قوله تعالي:( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير)[ الشوري:27].وكما في الحديث القدسي: إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغني, ولوأفقرته لأفسدت عليه دينه, وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر, ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه.وحين يقف المرء عند الإحساس بهذا الحرمان, متناسيا حكمة الله في هذا التوزيع:يمتلئ قلبه بالغل والحقد, ويظل ينتهز الفرصة للتعبير عن هذا الحقد.4 سوء التوزيع والتفريق في المعاملة, حيث إن سوء التوزيع للثروة, وللوظائف علي نطاق الأمة, بين أفرادها.وكذلك: التفريق في المعاملة بين أفراد البيت الواحد, وأبناء الوطن الواحد.وكل ذلك: من الأمور التي تجلب الحقد إلي النفوس, وتزرعه في المجتمع وبين أفراده.ولعل هذا هو السر في: تركيز الإسلام علي عدالة التوزيع, كما في قوله تعالي:(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداءلله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولي بهما فلاتتبعوا الهوي أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوافإن الله كان بما تعملون خبيرا)[ النساء:135]. وتركيز الإسلام علي العدل في القول كما في قوله تعالي:( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي)[ الأنعام:152].وتركيز الإسلام كذلك علي العدل مع الخصوم كما في قوله سبحانه:( ولايجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي)[ المائدة:8].وتركيز الإسلام في العدل بين الأولاد.. حيث يقول محمد صلي الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم5. الكبت والقهر, ذلك: أن المرء إذا حيل بينه وبين التعبير عما يجيش في صدره, وما يجول بخاطره..!! علي أي صورة كانت...!! ودام ذلك الكبت وهذا القهر زمنا طويلا: فإن المرء مع عجزه عن التخلص من ذلك, يظل يختزن العداوة في صدره, حتي تنقلب إلي الحقد علي من كبت حريته, وأذل كرامته, وقهر نفسيته.ولعل هذا هو السر في:أ- دعوة الإسلام للشوري.. حيث يقول:( وشاورهم في الأمر)[ آل عمران:159].ب تحريم ظلم الناس..حيث يقول في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي, وجعلته بينكم محرما, فلا تظالموا.ج- تحريم السخرية من الآخرين...حيث يقول تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)[ الحجرات:11].د- إلي غير ذلك من الأسباب.