تتطلب العشوائيات نظرة حانية فيها المودة والاحساس بالمسئولية لأن العشوائيات قضية مهمة تتمثل في شريحة منسية من شرائح المجتمع لو تركناها علي الحال التي هي عليه في معظم المحافظات فسوف يتفاقم تأثيرها ولأفرزت اختلالات اجتماعية وسياسية وأخلاقية لها مضاعفات ومخاطر ناجمة عن تراجع مستوي الحياة في الشرائح المتزايدة من السكان والتي لا يمكن تجاهلها طويلا أو التجاوز عن مشكلاتها المتنوعة. وقضية العشوائيات قضية تكالبت فيها المشكلات علي مدي طويل بسبب تكاثر ظواهر مقلقة من فقر مدقع نتج عن بطالة وقلة فرص التشغيل مع زيادة مطردة في الأسعار وتضاعف سريع في عدد السكان مع مصاحبة التدهور السكاني, مع مضاعفات اجتماعية وسياسية واقتصادية نتجت عن الإهمال والتهميش الاجتماعي مع التنازل في حق التعليم والصحة والسكن, مما نتج عنه تدهور صحي وسلوكي لسكان هذه المناطق مما شكل حزاما ملتهبا حول المدن والمراكز من بشر مقهور في ظروف بائسة غير مواتية تنذر كلها بالخطورة الاجتماعية.. والمناطق العشوائية فوق ما تعانيه من عدم وفرة الاحتياجات الأساسية تعاني من( ثقافة الحرمان) ونعني بهذه العبارة أنها ثقافة تعتمد علي أسلوب حياة يعتمد علي طريقة تحقق لهم التكيف مع الوضع الهامشي الذي يعيشون بين جوانبه والحرمان هنا ينظر إليه البعض علي أنه حرمان من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية, أو قد يراه البعض الآخر علي أنه حرمان يقطع الروابط الاجتماعية بين الفرد وبين باقي المجتمع.. وعلينا أن ننظر إلي الحرمان من خلال ثلاثة أبعاد: * الحرمان الذي تسبب فيه التهميش لهذه المناطق مما أدي إلي انهيار الروابط الاجتماعية. * الفقر الذي يخيم علي هذه المناطق مما جعلهم محرومين من الموارد وما يحقق لهم الروابط الاجتماعية مما أدي بهم إلي أن يشعروا برفض من يتعامل معهم بازدراء وسخرية ونظرة متدنية فأثر فيهم هذا التعامل الضاغط وجعلهم يتميزون بالعنف أحيانا والشعور بعدم الرضا وعدم الانتماء للوطن أحيانا أخري. * هذا المناخ غير الملائم جعلهم في حالة من التوتر والاضطراب والتكيف المضغوط الذي يعلن عن الإذعان والرضا غير القانع والصبر علي هذه المعاناة التي قد تبدو في تصرفاتهم وسلوكياتهم. وهكذا تتحدد ثقافة الحرمان في أنها: * علمت الأفراد في العشوائيات العيش بطريقة تعبر عن المسايرة والخضوع لما قسمه الله لهم, فتلك مشيئته ولا حول ولا قوة إلا به. * تظهر ثقافة الحرمان في المناطق العشوائية التي تتسم بانتشار نسبة البطالة وانخفاض الأجور, وعجز النظم الاجتماعية والاقتصادية عن وفرة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء المحرومين, وبتلك الأمور ارتبطت ثقافة الحرمان بالفقر والجهل والمرض, لأن الحرمان يؤذي النفس ويقطع أواصر المحبة. واعتمادا علي هذه الأمور تفتقر المناطق العشوائية إلي الأسس الثقافية والاجتماعية التي تدفع عن سكانها الشعور بالدونية والنقص والتبعية والاحساس بعدم المساواة... وبطبيعة الحال أثر كل ذلك علي بناء شخصية من يعيشون في العشوائيات خاصة وأن الجانب الحضاري يتأثر بهذا الجانب الثقافي وقد يتضح ذلك في: * الوضع الفيزيقي الديموجرافي: ويتمثل في زيادة الكثافة السكانية وتدهور مستوي البنية الأساسية من حيث( الطرق الإنارة المياه النقية للشرب الصرف الصحي الكهرباء وسائل الاتصالات) * الوضع الاجتماعي والاقتصادي: ويتضح الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تزايد معدلات البطالة وانخفاض الدخول مما أدي إلي شيوع الفقر, وتدني المنسوب الاجتماعي والاقتصادي. * الوضع القيمي: انعدام الترابط الأسري أو التواصل فيما بينها, وتدهور لغة الحوار والعلاقات وتفشي ظاهرة الطلاق, مما أدي إلي زيادة أطفال الشوارع والجانحين, وانعدام الخصوصية بين أهالي المناطق العشوائية. * تفاوت التكوين الأسري: وعلي الرغم من كل هذه الظواهر المقلقة فإن المجموع السكني للعشوائيات لا يخلو من وجود أفراد وأسر لها مستوي حضاري مقبول ومنهم من يثبت جدارته علميا ودخلا وارتقاء, مما يؤدي ببعضهم إلي الارتقاء بمستوي حيواتهم والتفاعل مع الآخرين بسلوكيات معقولة, لأن فيهم من يتمتع بقدرات علمية وحرفية لها وزنها ولعل النظرة التقويمية للجوانب الحضارية والثقافية والاجتماعية تتطلب الاهتمام بمستوي المعيشة وطرائق الحياة, مراعاة مستوي الدخول والجوانب الاجتماعية( الأمية تزايد وتزاحم السكان) ومراعاة البطالة والاهتمام بالتخطيط العمراني وفرة الغذاء السليم مع مراعاة الجوانب الصحية, ومراعاة المنسوب التعليمي السليم ومتابعته.وبطبيعة الحال لن يتم ذلك إلا من خلال المشروعات التنموية للارتقاء بهذه المناطق وفق برامج اجتماعية شاملة مع تجنب سلبيات الماضي التي أدت إلي حرمان هذه المناطق وإيجاد المشكلات الاجتماعية. والنظرة الحانية التي تتضمن المودة والحنو للعشوائيات تتطلب منا أن نري العشوائيات رؤية صادقة موضوعية لأنها مشكلة مترامية الأطراف فيها الجانب السكاني والبيئي والصحي والاجتماعي, والذي يفكر في أمر علاج هذه الأمور لابد وأن يضع في اعتباره: حق المواطن في مستوي معيشي يجعله يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية ويشعر بالأمن متطلعا إلي غد أفضل وتلك القضايا التي نادت بها ثورة25 يناير والتي تبلورت في تحقيق( الحرية والديمقراطية والعدالة الجتماعية والعيش الكريم) وتلك الخصائص ترسم رؤية مستقبلية وأملا يراود كل محب للوطن متعاونا ومشجعا لكل محروم لكي يعيش الحياة التي تحقق له الإشباع والارتفاع بمستوي حياته... واعتمادا علي هذه الرؤية الحانية ينبغي أن نراعي الإحساس بالانتماء لدي سكان العشوائيات لكي يقابلوا تحديات الحياة بروح ملؤها التفاؤل والتطلع إلي الأفضل والأحسن بعيدا عن الشعور باليأس الذي قد يدفع بعضهم إلي التمرد والتحدي وسلوكيات البلطجة وما يصاحبها من عنف واضطراب. وعلينا أن نلتقط الأمل من وجود بعض المظاهر الإيجابية التي قد نراها في العشوائيات تمثل صفات محمودة( الرضا والحمد عند كبار السن الاكتفاء الذاتي للحاجات اليومية التكافل الاجتماعي, والاحساس بتعانق القلوب, ومواجهة المشكلات بحلول ذاتية وبأقل التكاليف دون عنف وصراع) لأن سكان العشوائيات يؤمنون بالمهارة الحرفية ويبقي أن نقول... انظروا نظرة حانية لأهل العشوائيات لأن لهم حق الحياة الكريمة.