لقد كانت الزراعة من الأعمال الشاقة, التي تمد المجتمع بحاجاته الأساسية من الطعام وفي العصور القديمة ارتبط نجاح اقتصاد الأمم بنجاح الزراعة التي كانت النشاط الرئيسي لهذه المجتمعات, ولذلك كان اقتصاد مصر مزدهرا بسبب نجاح الزراعة فيها, وساهمت قوة الحكومة المركزية, ونظامها البيروقراطي القوي في العصور القديمة في الحد من آثار الفيضانات العالية والمنخفضة لنهر النيل. ومنذ الدولة القديمة, أدخلت مناظر الحياة اليومية في مقابر الأفراد للمرة الأولي, وكانت الأنشطة الزراعية من المواد المحببة في المناظر, ومنذ الأسرة الخامسة صارت المناظر الزراعية نمطية متكررة حتي الدولة الحديثة وما بعدها, وكانت الموضوعات المستخدمة هي إنتاج المحاصيل الرئيسية من حبوب وكتان, الأولي يصنع منها الخبز والجعة والثانية يصنع منها القماش. صورت مناظر الزراعة بخطواتها المختلفة من حرث الأرض وبذر الحبوب والحصاد علي جدران المقابر خاصة في جبانتي الجيزة وسقارة, واستعان المصري في الزراعة بأدواته البسيطة التي مازال بعضها مستخدما في الريف المصري حتي الآن مثل الفأس لعزق الأرض والمحراث لشقها والشادوف لريها والمنجل لحصد القمح ولم يستخدم المصريون القدماء النورج في درس القمح ولكنهم كانوا يجعلون الحيوانات تطأ بأقدامها القوية القمح لفصل الحبوب عن السنابل ثم يقومون بالتذرية عن طريق ألواح خشبية صغيرة ويستخدمون المذراة ذات ثلاث أسنان( حاليا ذات خمسة أسنان) لتجميع القمح أسفل الماشية ليتم درسه جيدا. وأثناء الحصاد سادت روح الحث علي العمل بين الفلاحين حيث يخاطبهم رئيسهم قائلا: أقول لكم أيها الناس الطيبون إن اليوم يوم الشعير إن من يحصد جيدا سوف يجني ثمار عمله, ثم يخاطبهم: ما هذا الذي تفعلونه أيها الناس الكرام, هيا أسرعوا في عملكم لأن هذا الشعير هو الذي يجب أن تحصدوه اليوم, وأحيانا يغير رئيس العمل لهجته ويشجعهم قائلا: إلي ماذا وصلت أيها الرجل الماهر؟. كانت مصر في العصور القديمة, تدين بثرائها إلي كدح الفلاح في خدمة الأرض. ولما كان الفلاح المصري يقنع بالقليل ويعمل بجد, فقد دأب علي العمل في الأرض بغير تعب, ولم تكن تلك الأرض, عادة ملكه, وبهذا عمل علي ازدهار المجتمع, وبمرور القرون تغيرت حاله قليلا, ولم تتقدم طرقه في زراعة الأرض كثيرا, وبقيت طريقة معيشته دون تغير يذكر. يحدثنا القرآن الكريم عن ثراء مصر في الزراعة حينما ذكر الله عز وجل قصة سيدنا يوسف عليه السلام وجاء فيها أن سيدنا يعقوب أرسل أبناءه إلي مصر ليحضروا الغلال, وذكر سيدنا يوسف في نفس السورة أن في مصر خزائن الأرض التي يعتمد عليها المحيطون بها في غذايهم( سورة يوسف). كان انتظام الانتاج الزراعي هو أهم عناصر الاقتصاد المصري القديم وكان انتظام الدورة الزراعية في مصر القديمة أوضح منه في أي بلد آخر, فوقت الفيضان معروف, وكميته يمكن التنبؤ بها, وبالتالي يمكن التنبؤ بالإنتاج الزراعي, ووضع النيل المتميز جعل لمصر وضعها الفريد, وأحس المصريون بعبقرية المكان فتأصلت فيهم الشخصية المتميزة التي استمدوها من هذا الإحساس. ما أحوجنا اليوم إلي الاهتمام بالزراعة وتنميتها والمحافظة علي الأراضي الزراعية التي تضيع من بين أيدينا بالبناء عليها ثم نبحث لاستصلاح أراض جديدة تكلف الكثير ولا تنتج مثل الأراضي الحالية, فالزراعة هي المصدر الوحيد للغذاء, أهم متطلبات الكائن الحي. وليس عيبا أن نقول إ ن مصر بلد زراعي فكثيرا ما كنت اقرأ دفاعا عن مصر وأنها بلد غير زراعي وكأن الزراعة عيب نتبرأ منه وهي أحد المصادر المهمة للمواد الخام التي تقوم عليها الصناعة بالاضافة إلي توفير الغذاء. رابط دائم :