يهتم الدكتور محمود عمارة اهتماماً خاصا بالزراعة. وكثيراً ما كتب منتقداً السياسات الزراعية المدمرة للزراعة في العهد الساقط.. وأخيراً، نشر مقالاً في »المصري اليوم« تحت عنوان »زراعة الأمل«، بشر فيه المصريين، بامكانية زيادة انتاجنا من القمح 7 ملايين طن. كيف؟ بالزراعة بالتقاوي المنتقاة، نوفر 5.2 مليون طن، وبانشاء صوامع جيدة بدلاً من شون بنك الائتمان الرديئة، نوفر 5.1 مليون طن. وبالتوصل إلي »تقاو متميزة« نرفع انتاجية الفدان من 81 إردباً الآن، إلي 52 إردبا، تعطينا 3 ملايين طن، ليصبح إجمالي إنتاجنا 11 مليون طن، فتتقلص وارداتنا من الخارج، بنفس زيادة إنتاجنا المحلي. إنها أمان جميلة. لكنها، مع الاسف، ليست واقعية. فالتقاوي المنتقاة، التي هي حصيلة الغربلة، التي تستبعد الحبوب الضعيفة والضامرة والكسر، وتبقي الحبوب السليمة القوية.. المنتقاة. وهي تزيد - حسب خبراء الزراعة - انتاجية الفدان 01٪ عن المزروع بتقاو غير منتقاة، وليس بالنسبة لجملة الانتاج، كما حسبها د. عمارة. أما الفاقد، في كل مراحل زراعة وتداول القمح، فقد حسبها بشكل علمي وميداني الدكتور صلاح علوان في رسالتي ماجستير ودكتوراه، تحت أشراف عالم الاقتصاد الزراعي المدقق الدكتور إمام الجمسي، فكانت - بما فيها التشوين - 11٪ من جملة الانتاج، أي 088 ألف طن. زادتها دراسة أخري، بإدخال ما يذهب حبا إلي مزارع الدواجن، وخبزا إلي علف الحيوان، إلي مليون و 05 ألف طن.. فقط. وهذا الفاقد لن نستعيده الا بتحديث كل العمليات الزراعية. أما الحصول علي 3 ملايين طن، بالتوصل لتقاوي »متميزة«، فهو هدف لا ضرورة له.. لسبب بسيط هو أن كل الأصناف الحالية طاقتها الانتاجية 52 أردب /فدان. وهذه الانتاجية يحققها كبار المزارعين فعلا.. ومنذ سنوات طويلة. كيف؟ باستخدام الميكنة في كل العمليات: »تقليب وتنعيم التربة بالمحاريث الحديثة. التسوية بالليزر.. زراعة التقاوي المنتقاة بالسطارة، لتثبيت البذور وانتظامها في كل الحقل. نثر السماد البلدي أو الكومبست بالالات الخاصة بها لانتظام توزيعها وتحقيق كل الفائدة. ثم الحصاد بالكومباين، مما يقلل الفاقد إلي أدني حد«. وهو التحديث الذي ينادي به عالم الهندسة الزراعية الدكتور زكريا الحداد منذ أكثر من 01 سنوات. وقصر الاستفادة منها علي كبار المزارعين الذين يملكون 51٪ من الارض وحرمان صغار المزارعين منها، وهم الذين يحوزون 58٪ من الارض.. لكن في حيازات قزمية، معظمها أقل من فدان.. هو سبب تدني متوسط انتاجيتنا، وقلة انتاجنا. الطريق العلمي والعملي لاستثمار مواردنا استثماراً أفضل. بتعميم الميكنة المتكاملة، مع كل التوصيات العملية، ليس لاغنياء المزارعين فقط، وإنما لفقرائهم أيضاً. وقد أجري الدكتور زكريا الحداد، تجربتين كبيرتين، إحداهما في الارض القديمة، والثانية في أراضي الخريجين. في مساحات صغيرة وغير مجمعة. قوم الاولي خبراء البنك الدولي، وقوم الثانية الدكتور عبدالسلام جمعة. وكانت النتيجة واحدة: الميكنة المتكاملة زادت الانتاجية طن حبوب ومثله »تبن«. كم أتمني أن يتبني الدكتور محمود عمارة هذا التوجه.. لنتجاوز الزراعة البدائية التي عشنا بها زمنا طويلاً. آن له بالثورة، أن ينتهي. الحصاد .. وأزمة السولار قرأت في »الشروق« يوم 31 أن رئيس شعبة المواد البترولية، صرح بأن أزمة السولار الحالية سببها استخدام الميكنة في حصاد القمح. اتصلت بالدكتور زكريا الحداد متوجسا. قلت الميكنة التي تدعو لتعميمها، تسببت في أزمة في السولار. قال: ليست الميكنة، وإنما غياب الميكنة الحقيقية. فعملية الحصاد حاليا تستلزم تشغيل جرار زراعي مع آلة الدراس التذرية لمدة خمس ساعات للفدان. وهذا يستهلك في المتوسط 53 لتر سولار، مع فواقد لا تقل عن إردبين من القمح. وفي مساحة 3 ملايين فدان قمح، فإن كمية السولار التي تستهلك تصل إلي 501 آلاف طن. قيمتها - حسب المهندس أحمد عبيد صاحب الدراسة الهامة عن دعم المواد البترولية، حيث يباع اللتر للمستهلكين ب 011 قروش، بينما تكلفته 074 قرشا، تدفع الحكومة الفرق دعما - 394 مليون جنيه. يضاف إليها 03٪ تكلفة الزيوت، لتصل التكلفة الي 046 مليون جنيه. وإذا أضفنا ثمن 6 ملايين إردب قمح تضيع، قيمتها 0012 مليون جنيه، تصبح تكلفة الحصاد بهذه الماكينات البدائية 0472 مليون جنيه. بينما الحصاد بالكومباين، وهو ما أدعو إليه. يحصد الفدان في ساعة واحدة، تستهلك 61 لتر سولار فقط، بإجمالي 84 الف طن فقط، قيمتها 522 مليون جنيه، مع ثمن الزيوت تصل الي 392 مليون جنيه، بالاضافة ثمن القمح الذي لا يضيع، حوالي 5 ملايين اردب، أي 053 مليون جنيه.. فإن جملة التكلفة تكون 346 مليون جنيه، ويوفر في العام الواحد 7902 مليون جنيه، تكفي لشراء 0096 آلة كومباين، تحصد 4.2 مليون فدان. أي زيادة في الانتاج الوطني، وزيادة في دخل الفلاحين. من يستمع!