تمر هذه الأيام الذكري الثانية والأربعيون علي وفاة أحد إعلام الموسيقي الكلاسيكية في القرن العشرين كعازف وقائد أوركسترا بل وواحد من أهم المؤلفين علي الإطلاق. وهو الروسي إيجور سترافنسكي المولود في سانت بطرسبرج في الخامس من يونيو عام1882 لأسرة فنية; فوالده فيودور سترافنسكي من أشهر مغنيي الأوبرا في بلاده وكان عصبي المزاج فلم يكن قريب الصلة من أبنائه وكانت الأم محبة للموسيقي ورغم ذلك إلا أنها لم تستطع التأثير علي ابنها في سن الطفولة والصبا لذا كانت طفولته غير سعيدة مليئة بالوحدة ولم تكتشف عبقريته الموسيقية في سن مبكرة بل تعلم العزف علي البيانو وهو في التاسعة من عمره علي يد كاسباروفا علي سبيل الهواية كغيره من أبناء أسر الطبقة المتوسطة, ووجد الصبي الصغير في الموسيقي نوعا من التعويض النفسي عما افتقده من حنين داخل أسرته.. وبعد أن تعلم قراءة النوتة الموسيقية كان شديد الشغف بالارتجال علي البيانو وأيضا كان يهوي قراءة الأوبرات التي تزخر بها مكتبة والده وكل هذا عمل علي تنمية الأفكار الابتكارية لديه, وكانت لزياراته المتعددة للأوبرا مع والده أثر علي تعلقه بالموسيقي والأوبرا والباليه, كما كان حبه الجم لموسيقي جلينكا ولأسلوبه في التلوين الأوركسترالي البراق أثر عليه فيما بعد, وأيضا شدة انبهاره بتشايكوفسكي معشوق الروس حين رآه قبل وفاته بأيام مما ساعد علي إعجابه بموسيقاه طوال حياته وجعله يعيد صياغة بعض أعماله الأوركسترالية.وقد التحق سترافنسكي بكلية الحقوق وأثناء الدراسة تعرف علي ابن المؤلف الروسي الشهير ريمسكي كورساكوف الذي نصحه بمتابعة دروس الموسيقي علي يد كالفاتي أحد تلاميذه, وعمل علي تعليم نفسه الكنترابينط دون مساندة ثم درس علي كورساكوف نفسه التأليف والتوزيع الأوركسترالي لمدة ثلاثة أعوام.. ثم تخلي عن دراسة الحقوق وتفرغ للتأليف ومنذ بداية مؤلفاته شهد له الجميع بعبقرية نادرة لما حققه من نجاح مذهل كأحد طلاب كورساكوف الموهوبين, وبعد أن ذاع صيته وتعرف علي مدير فرقة الباليه سيرجي دياجييف كتب مجموعة من الباليهات التي تعد كل واحدة منها في حد ذاتها أسطورة في التأليف الموسيقي المعاصر في ذاك الوقت.. حيث كتب العصفور الناري وبتروشكا وطقوس الربيع وكثير من الأعمال الأوركسترالية الأخري والتي يتميز أغلبها بطابعها الإيقاعي الذي يعتبر قيمة فنية وقوة تعبيرية مذهلة فهو عنده أقوي وسائل التعبير ويستبق اللحن ويعتمد علي قلقلة الضغوط والإيقاعات الأحادية العرجاء وتغيير الموازين, والهارمونيات عنده تجسد الشعور بالإيقاع وازدواج المقامات وتعددها, وكان دائم الإفراط في باص الأرضية المتصل وهو ما يعرف بالأوستيناتو, أيضا استخدامه للتنافرات مثل الاعتماد علي مسافة الثانية أو السابعة للوصول إلي رنين صوتي جديد مغاير عما اعتادته أذن المستمع الغربي, والألحان عند سترافنسكي غير مكتملة فهي كأنها ومضات سريعة مستمدة من الموسيقي الشعبية الروسية, ومن أكثر ما يميز كتاباته للآلات المختلفة استخدامه مساحات صوتية غير مطروقة هذا فضلا عن التكوينات غير التقليدية. رابط دائم :