أين هي حرية الإعلام التي تتحدثون عنها؟ سؤال قد يفاجئك به أحدهم, فتستدعي ذاكرتك عشرات البرامج الحوارية( التوك شو) والساخرة, التي تغطي مئات من الساعات يوميا, تتناول بالنقد والسخرية التي تخطت الحدود, حدود الأخلاق والقيم الدينية, بما تحوي من إيحاءات جنسية ومخالفات شرعية, تخلق حالة من الانفلات الإعلامي, ترسخ لقيم هدامة, تدعو للابتذال والتهتك, وتزدري وتحط من قدر رجال الدين ورموزه, بما ينفي عنهم هالة الاحترام والتقدير التي أحاطهم بها الشرع, فلا يسمع لهم خطاب, ولا يستجاب لتوجيه, ويصبح كل مايقولونه, معبرين به عن رؤيتهم لصحيح الدين, قابلا للرد والترك, بلا علم ولا فهم ولامناقشة لنصل إلي فوضي أخلاقية, حيث لامرجعية نعود عليها, ولا علم نحتكم إليه, ولا دين يمثل ضابطا لسلوكنا, فالكل مباح أو مستباح, تبعا لهوي النفس ورغباتها. يقول د.عرفة عامر, وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر: هناك بعض الناس لايريدون دينا, لا إسلاما ولايهودية, لايريدون مايضبط سلوكياتهم, ولامرجعية لتصرفاتهم, إنما يؤمنون بالفرد وحريته ورغباته, لكن الإنسان ضعيف بنفسه,قوي بدينه,والمسلم يستمد قوته وإلهام فكره من الله الواحد الأحد, ولايمكن فصل الدين عن إيقاع الحياة, وللأديان ورموزها قدسية في نفوس المؤمنين بها وعقيدتنا واضحة وبينة في قوله تعالي: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله البقرة:285,والمسلم لايتطاول علي أي نبي من الأنبياء,حتي أننا لا نذكر اسم نبي إلا ونصل ونسلم عليه, والسيدة مريم كرمها المولي بسورة كاملة في القرآن, فالدين خط أحمر, وازدراء الأديان شيء مرفوض, بغيض إلي النفس السوية,بغيض إلي أهل الفكر, بغيض إلي الله فلا يصح امتهان أو التجاوز في حق الديانات, والذي يسيء إلي الدين أو إلي رموزه فإنما يسيء إلي نفسه أولا,فالمستمع العادي, حتي الذي لم ينل حظا من التعليم أو من الثقافة والفكر, يري هذا العمل عملا مشينا, فالناس تعمل عقلها,تفكر وتغربل, ولا أعتقد أن مزدري الدين صاحب رسالة أو هدف نبيل يسعي له, وهذا مصيره الإهمال وسوف يمل الناس منه, ورسالته ضحلة ورديئة وغير بناءة لايستفيد منها أحد في المجتمع. ومع هذا الانفلات في النقد فإننا ندعو للتسامح وقبول النقد,فليس صحيا أن نقاضي كل من يقول كلمة,فالقضاء لديه مايكفيه من قضايا,فلنلجأ للقضاء في حالة الملمات فقط, وعلي القيادة السياسية أن تتأسي بالرسول الكريم وتلتزم منهجه في الرفق واللين والرحمة, يقول تعالي: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر آل عمران:159, حتي يجتمع شمل الأمة علي قائدها, ولاينفض الناس من حوله,ويستفيد من طاقاتهم,ورؤاهم المختلفة عنه,فالاختلاف إثراء للحياة. ويقول د.فودة محمد علي, أستاد الإعلام الإسلامي بجامعة الأزهر: الانفلات الإعلامي حقيقة قائمة, لايختلف عليها اثنان, وهي رد فعل طبيعي لحالة الكبت التي عاشتها مصر خلال أعوام من الحكم الديكتاتوري, ومن المؤكد أنه تحدث حالات من السخرية وازدراء الشخصيات العامة السياسية والدينية,وأنا أطالب علماء الأمة بتعليم الناس وتوجيههم لما يجب أن يتجنبوه, وليس فقط وضعهم موضع اتهام,فالنبي صلي الله عليه وسلم كان يقول:اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فالازدراء جاء نتيجة للجهل,مما يؤدي إلي الوقع في الخطأ الشرعي, ويأتي هذا من انخراط المسئول عن تصحيح الدين وتبسيط مفاهيمه في العمل السياسي والحزبي, وتركه للعمل الشرعي والخلط بين الاثنين, فكيف يتعلم الجاهل ومن يدله علي الطريق الصحيح, يوضح له الحد الفاصل بين ماهو جائز شرعا من نقد للأفعال والمواقف, وما هو محرم من استهزاء وسخرية والكوميديا أو السخرية هي فن راق وقمة الفهم الدرامي, وتقوم علي الفهم العقلي, وهي من أكثر الأمور التي تخاطب العقل فالتراجيديا تقوم علي مخاطبة الغرائز والمشاعر, أما الكوميديا فتحارب اليأس وفي نفس الوقت تتهكم من الوضع القائم بما يستدعي تغييره وفي غياب منظومة القيم والمرجعية الأخلاقية حدث التجاوز,إذ يجب ألا تصل السخرية إلي تحقير الإنسان والحط من شأنه, فالمفروض أن يكون النقد للأوضاع والمواقف, وهذا هو الفرق بين الكوميديا الرشيدة والكوميدية المنحرفة إن صح التعبير, والسخرية من ا لإنسان مخالفة صريحة لأمر الله تعالي: يا أيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قومالحجرات:11 وهذه هي الشعرة الفاصلة مابين العمل الإعلامي المحترم والعمل الإعلامي الخارج عن حدود المقبول,فالاعتداء علي الأشخاص والسخرية منهم خارج نطاق حرية التعبير ففيها اعتداء علي أشخاص, وهذا تجاوز بلا شك وقد وقعت بعض هذه البرامج في أخطاء شرعية بالتهكم علي رموز الصحابة كسيدنا عثمان ذي النورين ومعاوية وهو من كتبة الوحي, نحن نحترم صحابة الرسول ونحبهم, ولانحب من يتجرأ عليهم أو يسخر منهم, كما أن هذه البرامج فيها انحياز كامل وبعد عن الموضوعية, وبعضهم يعترف بهذا ويعتبره حقا من حقوقه وموقفا أخلاقيا يلتزم به, وهذا ينقله من إعلامي باحث عن الحقيقة الموضوعية إلي مشاهد يعبر عن رأيه مع أن الموضوعية المطلقة هي مثالية ولاتوجد إلا في قاعة الدرس, أما في الواقع فكل إعلامي تتحكم فيه مرجعيته وخلفيته الثقافية. ويقول د. منير جمعة, عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: ازدراء الأديان هو الإساءة الي الدين أو الي نبي الإسلام,أو أي من الأنبياء الدين ثبتت نبوتهم شرعا, ونحن نؤمن بهم, أو الي القرآن أو أي من الكتب السماوية الثابت نزولها من عند الله,أو السخرية منهم, ولو كان بغرض المزاح,وهو حرام شرعا, وقد سمي القرآن الكريم ذلك كفرا في قوله تعالي: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين المائدة:65 66,فلم يقبل الله العذر منهم بأنهم إنما كانوا يلعبون ويمزحون,بل بكتهم علي ذلك وأنبهم ورفض عذرهم. والازدراء هو التحقير وتقليل من شأن المزدري, وهو مصطلح حديث الاستعمال لمعني قديم, ويدخل فيه انتقاص أي رمز ديني أوالسخرية منه أو احتقاره, وشعائر الإسلام كالصلاة من رموز الدين, والسخرية منها ازدراء واضح للدين, فلو وجدت أي إشارة تحتقرها كما في بعض برامج السخرية, فهذا ازدراء بالدين لالبس فيه, وكذلك ازدراء الجنة أو النار,أو إنكارهما بالصورة التي وردت في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية,وكذلك إنكار الثابت من الدين بالضرورة أو بالدليل القطعي كالحجاب وكل شعائر الإسلام,ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب الحج:32لذا ينبغي تجنب هذا والحيطة والحذر خشية الوقوع فيه, فمن حام حول الحمي يوش أن يقع فيه. ولايعد شيء من هذا ازدراء إلا إذا قصد به تحقير الدين, أما النقد البناء, وهو نقد الآراء أو سلوك بعض أهل العلم, ومحاججتهم بالدليل العلمي, وبيان خطئهم, فهذا أمر لاشيء فيه, وقد اختلف العلماء, وهذه سنة الحياة, وانتقدوا آراء غيرهم وتجادلوا بالدليل للوصول إلي الحق, أما الممنوع فهو السخرية والاستهزاء,قال تعالي: ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم..الحجرات:11 فلايجوز ان يلوي مقدم أحد البرامج الساخرة عنق الكلام,ويضعه في غير سياقه,ليضحك الناس, بغرض الإساءة إلي رمز ديني, وهذا يدخل في التحريم, ولو فعل أحد معه مثل مايفعل, وأتي بحركاته وسخر منها لأغضبه ذلك, وهو نفسه عندما سخر من بعض الإعلاميين بنفس الطريقة, فإنهم غضبوا وهددوا بمقاضاته, ولكنهم تصالحوا حيث التقت مصالحهم وتوحدت أهدافهم. وكما أن ازدراء الدين الإسلام ورموزه محرم فإن ذلك ينطبق علي إخواننا المسيحيين, فلا تجوز السخرية من رموزهم كالسيدة مريم العذراء والسيد المسيح أو كهنتهم, ولكن يجوز نقد بعض آرائهم, من باب توضيح الحقائق وليس من باب السخرية وبأسلوب علمي محكم, ولايقوم به كل أحد فقط العلماء أصحاب الرأي والفقه والعلم,كما لاتجوز السخرية من أصحاب الديانات الأخري, فالمنهج القرآني يتلخص في قوله تعالي: وقولوا للناس حسنا البقرة:83 رابط دائم :