رغم حكم المحكمة ببطلان دعوة رئيس الجمهورية لفتح باب الترشح لمجلس الشعب, فقد أعلنت مسبقا جبهة الإنقاذ بما تحويه من أحزاب معارضة كحزب المؤتمر بزعامة عمرو موسي والدستور بزعامة محمد البرادعي وحزب الوفد بزعامة البدوي والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وأيضا التيار الشعبي المصري بزعامة حمدين صباحي, عن مقاطعتها لتلك الانتخابات, وقد أقامت تلك الأحزاب موقفها استنادا إلي عدة أسباب منها مثلا أن الدستور الذي ستجري علي أساسه هو نفسه عليه عدة اعتراضات بدءا من إجراءات وضعه وصياغته ثم عملية التصويت, لذا فقد شاب العديد من نصوصه عيوب قاتلة, وقد وعد الرئيس محمد مرسي بالإستماع إلي صوت المعارضة فيها وإحالته وجهة نظرها إلي مجلس البرلمان الجديد في أول جلسة له للنظر في مناقشة تعديلها وفق الإجراءات الدستورية لتعديل الدستور, وهو ما تشك المعارضة في حدوثه بالنظر لسرعته في الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية قبل إعادة عرض لتعديلات في قانون الانتخابات الجديد علي المحكمة الدستورية لإقرار صحتها, لسابقة وعوده الكثيرة التي قطعها علي نفسه ولم ينفذ منها شيئا, كما أن المعارضة تريد أن تسجل بموقفها هذا عدم موافقتها علي جلسات الحوار الوطني عموما التي دعا إليها الرئيس والتي كانت مجرد عملية تجميل للنظام الحاكم وإظهاره في صورة من يأخذ في اعتباره رأي وموقف المعارضين له فيما يتخذه من قرارات أو سياسات بدليل إعداد مؤسسة الرئاسة بمفردها ومسبقا لجدول اعمال تلك الجلسات وإدارتها بشكل يخلو من الأسلوب الديمقراطي وبطريقة تنتهي لمجرد توصيات تخلو من أي إلزام في التطبيق, كما حدث في الجلسة الأخيرة للنظر في وجهة نظر المعارضة في إجراءات الانتخابات التشريعية, والتي قررت الرئاسة مجرد تحويلها للجنة العليا للانتخابات للنظر فيها. وقد طالبت المعارضة حتمية تشكيل حكومة محايدة لا تخضع لحزب الحرية والعدالة الحاكم قبل الانتخابات لضمان حيدة إجرائها, وضرورة توفير بيئة أمنية كفيلة بنجاحها غير حالة الإنفلات الأمني الفظيع التي تشهدها البلاد وتزداد يوما عن يوم, وتعديل اللجان الانتخابية بجعلها مقصورة علي دائرة كل قسم شرطة أو مركز وعدم إتساعها أكثر من اللازم بدمج أكثر من واحد منها في دائرة انتخابية واحدة, لما يشكله ذلك من عراقيل تحول دون نجاح المرشحين الذين يفتقدون المقدرة المالية التي تمكنهم من سرعة التجوال بتلك الدائرة الانتخابية الواسعة والقيام بالدعاية الانتخابية اللازمة بعكس الأحزاب أو الأفراد القادرين ماديا, أو التي تستند علي مرجعية دينية حيث يميل الناخب المصري لتفضيلها بحكم طبيعته الفطرية الميالة للتدين حتي ولو لم يكن علي معرفة كافية بشخص المرشح, ووضع قانون للإنتخابات متوافق عليه وعزل النائب العام الذي عين بالمخالفة لقانون السلطة التشريعية, كما تطالب المعارضة بوضع أسس وآليات فاعلة تضمن نزاهة وشفافية وحيادية العملية الإنتخابية ذاتها وقد اكتفي عمرو موسي زعيم حزب المؤتمر بالمناداة بمجرد تأجيلها لحين تحقيق تلك المطالب. إلا أن المؤيدين لإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها كانوا يبنون موقفهم علي أساس أن الأحزاب الليبرالية وجبهة الإنقاذ تعارضان لمجرد المعارضة حيث لم يتقدم أي منهما بمقترحات عملية لضمان نزاهة الانتخابات من وجهة نظرهم, كما أن اللجنة العليا الموكل إليها مسئولية القيام بتلك الانتخابات ومؤسسة الرئاسة أيضا قبلتا الإشراف الدولي علي العملية الانتخابية من كل المؤسسات والهيئات الدولية التي طلبت منها ذلك. وكان حزبا الحرية والعدالة والنور ومن شايعهما من قوي سياسية في موقفهما يراهنون علي إجراء الانتخابات في موعدها علي أن جبهة الإنقاذ والأحزاب الليبرالية الأخري التي تدعو لمقاطعة الانتخابات ليست لها قاعدة شعبية تذكر, وبالتالي فإن دعواها لمقاطعة الانتخابات لن تجد لها صدي لدي جمهور الناخبين, ولن تؤثر أو تغير كثيرا من عدد الحضور, وستبقي نتيجتها محسومة لصالح أحزاب التيارات الدينية كما تتوقع هي, وكل ما يأمله الليبراليون وجبهة الإنقاذ مجرد تسجيل موقف سياسي دولي قد يحرج الحكومة ويظهرها بمظهر من يفتقد ومؤسساتها التشريعية للشرعية والرضا الجماهيري والحصول علي التوافق الوطني المطلوب عليهما, كما تستند الأحزاب الدينية الداعية لإجراء الانتخابات في موعدها إلي التقدير الخاطئ الذي تنتظره جبهة المعارضة كنتيجة لعدم مشاركتها في عملية الانتخابات, حيث رأي البعض منها أن مقاطعة أحزاب المعارضة لانتخابات عام2010 أدت إلي قيام الثورة وإسقاط الحكومة والنظام ذاته, متناسية أن الذي قام بالثورة في الحقيقة هم الشباب الذين عانوا مشاكل إجتماعية جمة أودت بهم للإنفجار والذين لم يكن يعنيهم كثيرا عند القيام بها نتائج تلك الانتخابات التشريعية ومن فاز بها أو حتي شارك فيها, بل لم يكن معنيا بعملية التوريث ذاتها بقدر اهتمامه بتحقيق حد أدني من المطالب الاجتماعية اللازمة للعيش بصورة كريمة, حيث نادي بثلاثة مطالب هي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والتي ترجمها بضرورة تغيير الحكومة وإقالة وزير الداخلية وضمان حد أدني للأجور.. إلخ ويقرر هؤلاء أن من لا يشارك في العملية الانتخابية لا يحق له بعد ذلك أن يشترك في مباشرة الحياة السياسية. والرأي.. أنه رغم انقسام أحزاب المعارضة وعدم توحدها علي موقف جامع وافتقادها للجماهيرية التي قد لا تمكنها من تحقيق نتائج في الانتخابات تضمن لها تمثيلها للمعارضة البرلمانية بشكل فاعل ومؤثر, إلا ما تستند اليه من أسباب بنت عليه موقفها المقاطع للانتخابات لها حجيتها ووجاهتها, لذا فإن المشاركة في تلك الانتخابات بدون تحقيق ما طالبت به المعارضة هو إضفاء القبول ولو الشكلي علي ما يفعله النظام, أما عدم المشاركة فإنه تسجيل موقف صريح يضع النظام الحاكم دوليا في موقف من يفتقد الشرعية ولا يحظي بالإجماع الشعبي والتوافق الجماهيري, الأمر الذي قد يحرجه ويخضعه لضغط دولي بصورة ما تدفعه لتعديل سياساته وجعلها أكثر يمقراطية واستجابة لآمال الجماهير والمعارضة. رابط دائم :