1 كنت وصديق طفولتي نشكل قلبا واحدا ينبض بالحياة.. كنا ولوقت متأخر ندرك اننا رمز للألفة والأخوة والمحبة الدائمة, إلي أن أرادت الأيام إخفاء كل واحد منا في ضباب صباحات المدينة المزدحمة.. وأراد الزمن وضعنا علي أقطاب خط مستقيم, وأرغمنا علي السير باتجاهات متعاكسة.. وبعد طول غياب, انطوي مستقيم الزمن ليتحول إلي دائرة جمعتنا مرة أخري.. إلا أن خلي كان قد فقد ساقه في إحدي الحروب, فيما أصبحت أنا أحد أهم لاعبي كرة القدم في المدينة. علي الرغم من تأثري بحاله المأساوي, إلا اني بقيت أسرد له نجاحاتي وسرعتي ومهارتي التي جعلت مني نجم هذه اللعبة.. إلي أن طلب تأجيل الكلام إلي لقاء آخر.. وفي اليوم ذاته عدت إلي منزلي مبتهجا بلقاء صديق العمر, فوجدت علبة مغلفة علي شكل هدية فخمة غاب عنها اسم المرسل.. فتحت العلبة بلهفة وكان بداخلها كرة قدم بيضاء اللون, وقد كتب عليها مقولة المؤرخ الإغريقي بلوتارخ( لا تحكي سعادتك لمن هو أقل منك حظا). 2 لم تكن حبيبتي تشبه أي ملكة من ملكات الجمال.. ولم تكن أجمل مني أنا العابس الاشعث الشعر, القصير القامة, الضعيف البنية.. بل كانت تفتقر لملامح الانوثة إلي حد كبير.. وهو الأمر الذي وضعني محل سخرية لمن حولي.. كان الشارع يقهقه بصوت محروم من الضحك كلما تخطينا سويا.. يضحك الجميع علي إحساسها بالنقص والضعف والخجل.. إلا اني كنت أشرب حبها وأرتوي حتي الثمالة, ولا أجد أي مخلوق سواها في حياتي.. انتقادات الناس أوصلتنا حد الضجر, إلي أن قررت الانفصال عني دون رجعة.. وفي جلسة تحديد مصير مستقبلنا, كانت غاضبة تريد أن تنهي كل متعلق علي عجل.. أصغيت لحروفها بصمت, وانتظرت دوري في الكلام, وعندما حانت لحظة البوح حدثتها بلغة العيون, عندئذ نطقت مقولة بلوتارخ( كل النساء جميلات عندما تنطفيء الشموع) وأضفت إلي المقولة ابتسامة عريضة وسحبتها إلي أحضاني.. واستمرت الحياة. أنا وفرجينيا وولف 1 غيرت معالم الكون, وغطيت زرقة السماء بوشاح أسود, وأخفيت البلابل من دون أصواتها.. ألغيت حاسة البصر وحولت مدينتي المبصرة إلي مدينة عمياء, بعد أن فقأت عيون سكانها إلا عيني. لم أحبذ رؤية انعكاس وجهي داخل العيون الملونة, ولم أكن مجرما أو دكتاتورا, بل كنت تفاعلت مع حكمة المؤلفة الامريكية فرجينيا وولف( أعين الآخرين سجوننا). 2 تظاهر جمع من المهمشين والمضطهدين علي سياستي الجديدة في تكميم الأفواه.. بدأ عدد كبير منهم برفع لافتات تندد بكبت الحريات, فيما رفع الجزء المتبقي أصواتهم إلي السماء, ورددوا هتافات ثورية مخيفة, هزت عرشي المحصن.. لم أصل حد الخوف من كل هؤلاء.. إلا ذلك الشاب الذي رفع مقولة فرجينيا وولف( إنهم يستطيعون لأنهم يظنون أنهم يستطيعون).