فتش عن أية مشكلة في مصر قبل الثورة وبعدها وستكون المفاجأة أن للنائب العام- شخصا ومنصبا- يدا فيها دون تحديد صريح للسبب اللهم إلا أقاويل واتهامات- من هنا وهناك- بأن العيب ليس في المنصب ولا صاحبه, وإنما في صيغة علاقتهما الغامضة بالسلطة التي تعتبر مهمة النائب العام جزءا من قراراتها وإحدي أدوات فرض هيمنتها. النائب السابق حاصرته هتافات السقوط وصرخات الاتهامات وصيحات الفساد ودموع أصحاب القضايا الملفقة ودماء أصحاب الحقوق التي أغلقت عليها أدراج الولاء حتي فسدت وفقدت صلاحيتها- نفعا وضررا- قبيل الثورة وبعدها, والنائب الحالي طاردته غضبة أهل النيابة والقضاء ومعهما أيضا هتافات السقوط واتهامات صريحة بأنه النائب الخاص لجماعة بعينها ومرشدها وبينهما مؤسسة الرئاسة. وكان يمكن للرئاسة أن تنسف ذلك الملف لو استجابت لدعوة أهل القضاء وعلي رأسهم المجلس الأعلي بعد معارك- شريفة أو غير شريفة- من أطراف قضائية وسياسية, وكان الدستور هو الورقة الرابحة والضربة القاضية التي تخلص مصر من أعراض سببتها أمراض منصب وشخص النائب العام; حيث كان بيد الرئيس أن يجعل الدستور الأداة التي تحسم ذلك الملف بعيدا عن استدعاء واحد من أهل الثقة من إعارته الدينارية بالكويت أو طرد من تعتبره كاتم أسرار النظام السابق, إلا أنه تمت التضحية بالحل, وبالقانون, وبالقضاء والدستور وأيضا بالحناجر التي هتفت وبح صوتها علي أبواب النيابة العامة قديمها وجديدها وتعاملت بمنطق سيبهم يضربوا راسهم في الحيط. ولأن الرئاسة أكدت مرارا وتكرارا أنها تحترم أحكام القضاء كانت الحيط هذه المرة أشد صلابة فقد جاء القضاء بما لا يشتهي أهل الحكم وكذلك الثوار الحقيقون بحكم يعيد النائب السابق وينحي النائب الحالي في لعبة أراها تعيد القضية إلي بدايتها وهي: المنصب ومن يشغله وبينهما سلطة تعرف ما تريد دون إفصاح إلا للمصطفين الأبرار ولو أفصحت عنه للأعلي للقضاء لجاء الحل قاطعا وبالدستور والقانون. هذا الإفصاح المفقود قد تبرره قرارات الضبط والإحضار والحبس المفاجئ والإفراج القيصري وقرارات المنع من السفر التي تغلب عليها رائحة السياسة أكثر من القانون نصا وروحا, وما تمتلئ به أدراج بلا مفاتيح من بلاغات تعادل مستنداتها ما صدر من قرارات نيابية سياسية ثأرية بحق شرفاء ينتصرون للعدالة في كل حالات النائب العام- شخصا ومنصبا- ويضاف لذلك التقليد الأعمي والموجه في التراجع عن القرارات, وعن الاستقالة المكتوبة أحيانا برسالة مكتومة ومملاه بأن النائب علي دين رئيسه. يا سادة, لم تعد مصر تعرف أنصاف الحلول ولو بالقانون والدستور, ولم تعد لغة التوجيهات والتعليمات تجدي ومن ينتظر من الريح أن توجه دفة سفينته دون غيرها فليدرك أنه سيكون أول من تضربه تلك الريح التي لا يمكنه تحديد عاصفتها وأتجاهها, المؤكد فقط أنه حتما سوف يغرق!! رابط دائم :