ظلت القضية الفلسطينية علي مدار أكثر من نصف قرن من الزمان في قلب وعقل كل مصري، قبل أن تنجح سياسة جماعة الإخوان ونظام الرئيس مرسي، في تغيير قلوب الغالبية العظمي من المصريين، تجاه قضيتهم وقضية العرب الأولي، بل وإلي كل ما يمت إلي فلسطين بصلة. وتسمع الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام بين حين وآخر، عن توقيف المئات من قوات حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في أثناء تسللهم إلي مصر عبر الأنفاق، لتنفيذ عمليات فوضي وإرهاب في مصر، فتخال أن البلد قد أصبح في قبضة الميليشيات الفلسطينية، رغم أن أيا من أجهزة الأمن، سواء تلك التابعة لوزارة الداخلية مثل جهاز الأمن الوطني "أمن الدولة سابقا"، أو الأخري التابعة للرئيس مباشرة مثل المخابرات العامة، أو أجهزة وزارة الدفاع مثل المخابرات الحربية وغيرها، لم يقدم أيا من هذه العناصر الموقوفة إلي الرأي العام، أو يعلن بشأنها خبرا واحدا صحيحا، ينفي القصة أو يؤكدها فيريح الملايين التي أكلتها نيران الحيرة. علي أن أكثر ما في الأمر غرابة، هو تلك القصص المفبركة، التي يتم تداولها يوميا علي شبكة الانترنت الدولية، ويتناقلها كثيرون بسرعة البرق باعتبارها أخبارا موثوقة، وهي قصص تشبه إلي حد كبير، تلك التخرصات التي كان يخرج بها علينا كل يوم أنصار الرئيس السابق، والتي لم تخل من هذيان واضح، علي غرار ذلك الذي أطلقته الشيخة ماجدة ومن بعدها توفيق عكاشة، ذات ليلة من ليالي الثمانية عشر يوما التي استبقت رحيل مبارك، والتي تحدثت فيها عن فرق الحرس الثوري الإيراني التي تسللت إلي مصر عبر مياه النيل، لتقتل المتظاهرين في ميدان التحرير، وتطلق السجناء، وتقتحم أقسام الشرطة، وتطلق البلطجية في الشوارع والمدن. ويحار المرء كثيرا عندما يجد أن مثل هذه الترهات، وقد وجدت صدي واسعا في العديد من البرامج المعتبرة التي تبثها العديد من قنواتنا الفضائية، بل وغيرها من الدوريات اليومية المعروفة بانتصارها للمهنة، وتدقيق الخبر، رغم أن كثيرا من هذه الأخبار تفتقد أبسط القواعد المهنية التي ينبغي توافرها في الخبر، حتي يصير خبرا، يستحق النشر أو التعليق عليه. إنني أعيب هنا علي مؤسساتنا السيادية الكبري، وفي القلب منها وزارة الدفاع، التي سمحت ولا تزال تسمح لكثيرين، بنسج العديد من القصص المختلفة عن حركة المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها حركة حماس، وهي قصص لا يمكن التسامح بشأنها، طالما ظلت في إطار الخيال الذي لا تؤكده وقائع علي أرض الواقع، لأنها في الحقيقة تستبدل الشقيق بالعدو الحقيقي الرابض علي الحدود منذ عقود، والذي يراقب اليوم حتما، ذلك العبث الذي يجري في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي، وابتسامة عريضة ترتسم علي وجهه، بعدما تحول الأمر إلي ما يشبه "حديقة الحيوان المفتوحة" حسبما قال لي صديق يقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنوات، عندما سألته في براءة: كيف يري الأمريكيون ثورات الربيع العربي بعد عامين من اندلاعها في وطننا الغارق في الفوضي؟. علي المؤسسة العسكرية أن تعلن اليوم وبوضوح، الحقيقة كاملة حول كل ما جري تداوله خلال الأسابيع الماضية، حول تسلل المئات من عناصر حركة حماس إلي داخل البلاد، وتكشف لنا عن تفاصيل ذلك المخطط الذي بلغ حسبما قالت صحيفة كبري، حد التخطيط لسلسلة اغتيالات تشمل قادة عسكريين بارزين، وقيادات سياسية في جبهة الانقاذ، بغرض تمكين جماعة الإخوان، والتخلص من كل من يعارضون سياساتها في إدارة شئون مصر بعد الثورة. وربما كان لزاما علي الجميع الآن أن يدرك قبل فوات الأوان، وفي القلب منهم جماعة الإخوان، أن ترويج مثل هذه النوعية من القصص الرديئة، لن يصب في النهاية إلا في صالح طرف وحيد، لن يعدم وسيلة إلا وسعي من خلالها إلي دعم مثل هذه الحكايات الخرافية، التي لا تستهدف سوي القضاء نهائيا علي قضية العرب الأولي والأخيرة، واستبدال عدو قديم بعدو جديد، كان المصريون ومن عجب يقتسمون معه حتي سنوات قليلة مضت، قبل أن تظهر لنا الجماعة في مقاعد السلطة، كسرة الخبز ورشفة الشاي. رابط دائم :