يجب أن تصبح فلسطين كلها ملكا لليهود, وأن استخدام الأساليب الملائمة لتحقيق هدف إقامة الدولة القومية اليهودية, سوف يكون عنصرا حتميا وحيويا في سياستنا لقد أصبح العرب يدركون ما الذي لابد أن نفعله بهم وما الذي نريد منهم ولابد أن نخلق الامر الواقع, وأن نقنع العرب بضرورة الرحيل عن أراضينا والفرار إلي الصحراء. وكلام طفل الصهيونية المدلل فلاديمير جابوتنسكي الآنف ذكره صحيح في مجمله, وأعني انه يتفق مع مجريات الصراع العربي الصهيوني منذ تيودور هرتزل حتي زماننا هذا الذي نعيش في الأعم الأغلب منها اصدار بيانات للشجب والإدانة ومناشدة الهيئات الدولية التدخل. كان آخر ذلك, ردة فعل جامعة الدول العربية بخصوص القرار الصهيوني العنصري الذي يتم بمقتضاه ترحيل حوالي70 الف فلسطيني من الضفة الغربية إلي غزة أو الأردن. ومن خلال هذه المعطيات, نستطيع ان ندرك وبسهولة بالغة أن الترانسفير كفكرة, لم تكن وليدة أيامنا هذه أو أيام جابوتنسكي وهرتزل, إنما هي وليدة الأيام التي كتبت فيها توراة اليهود علي أيدي الكهنة, ولا يكاد يخلو منها سفر من أسفارها فهي من الكثرة بحيث تصعب علينا مهمة الاختيار, وهكذا يمكننا القول علي وجه اليقين أن تلك المأثورات التي كانت تحرض اليهود علي احتلال أراضي الغير بعد طرد أصحابها كانت بذور الكراهيات والمطامع التي غرست من قديم.. وأسبغت عليها قداسة الدين ضحايا المراحل المقبلة من مخطط صهيون حاكمة الأمم, فالتقليد الذي أرساه كتبة التوراة من الكهنة من شأنه أن يسبر اغوار الضراوة الوحشية التي يبادر بها الصهيونيون غيرهم من الشعوب غدرا.. يقول الصهيوني رقم واحد تيودور هرتزل في كتابه الدولة اليهودية ببساطة وبلا مواربة: لنفترض مثلا أننا نريد أن نطهر بلدا من الوحوش الضارية, طبعا لن نحمل القوس والرمح, بل سننظم حملة صيد جماعية ضخمة ومجهزة, ونطرد الحيوانات ونرمي وسطها قنابل شديدة الانفجار وهكذا تصور هرتزل, علي اساس من الأساطير والخرافات اليهودية بناء الدولة اسرائيلية بالعنف المنتظم في جيش من المغامرين الذين هم أفضل الغراة في تطهير الأرض من اصحابها الأصليين خطوة تلو الخطوة وهكذا, في جميع مراحل العمل الصهيوني, كان شعار الحركة الصهيونية غير المعلن: خذ ما تستطيع الحصول عليه, دون أن تتخلي عن أي هدف من أهدافك, واعمل علي أساس الاستفادة من كل ما تحصل عليه, لتحقيق الأهداف البعيدة والقريبة علي حد سواء. وعلي هذا الشاكلة أشار حاييم وايزمان بعد إعلان إمارة شرق الأردن إلي: أن الدولة اليهودية يجب أن تمتد عبر شرق الأردن وإلا فإن فلسطين لن تتسع لملايين اليهود الذين سيهاجرون اليها ووفقا لهذا النسق العنصري الجائر نري مناحيم اوسيشكن مدير الصندوق القومي اليهودي في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي يقول في أحد تقاريره السرية: نحن من انصار العمل العبري والانتاج العبري مائه في المائة وذلك من أجل إضعاف مركر العرب وعدم السماح لهم بمد جذورهم في هذا البلد. ويأتي دور مناحيم بيجن في كتابه الثورة ليمثل اتجاه الحركة الصهيونية المتطرف والذي يؤمن بتأثير عامل الديانة اليهودية علي الخط السياسي لدولة اسرائيل ليؤكد انه: منذ أيام التوارة, وأرض اسرائيل تعتبر الأرض الأم لأبناء اسرائيل, وقد سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين وكانت تشمل دوما ضفتي نهر الأردن وأن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة. ولن يحظي هذ العمل باعتراف قانوني, وأن تواقيع الأفراد والمؤسسات علي اتفاقية التقسيم باطلة من اساسها. ويأتي دور المنظر الصهيوني شراجا دافني ليكمل اتجاه الصهيونية الخاص بقداسة الدين بقوله عام1969: ينبغي أن تشكل أعمال أجدادنا خطوطا مرشدة لنا كما يجب أن تلهم أعمالنا الحاضرة.. الكتاب المقدس هو التعبير الحقيقي الفريد والوحيد عن طبيعة هذا البلد وعن حاجته ومهمته ومن واجبنا أن نخطط لخطواتنا وفقا لحرفية هذا الكتاب علي اعتبار أننا جئنا إلي هنا لإتمام هذه المهمة وكما أننا اقمنا معادلة بين عرب اليوم والسكان القدماء لأرض كنعان, علينا بالطريقة ذاتها إقامة معادلة بين أعمالنا الحاضرة وأعمال أجدادنا وقتئذ وإنك لتلمس هذه السلوكية التي لا هدف لها سوي الانقراض الجنسي لجميع الشعوب العربية لئلا يبقي علي الأرض العربية سوي الجنس اليهودي واضحة جلية من خلال مخطط شيطاني ينوء بما يحمله من قصد شرير تضمنه سفر( أشعياء) في الاصحاح الرابع عشر: هيئوا لبنيه قتلا بإثم آبائهم فلا يقومون ولا يرثون الأرض ولا يملأون وجه العالم مدنا لقد كان قدامي الاسرائيليين يتلظون بنار الحقد من البلدان المتاخمة ذات الحضارة المتقدمة, لوفرة ما ترتع فيه من ازدهار وثراء وكان الأنبياء اليهود ينضحون ضغنا ولنصغ إلي الحبر المبارك( ميخا) مخاطبا شعبه بالروح الممتزجة بالسادية البغيضه: قومي يا بنت صهيون لأني أجعل قرنك حديدا فأظلافك أجعلها نحاسا فتسحقين شعوبا كثيرين أبيدها بالسيف, غنيمتهم للرب, وثروتهم لسيد كل الأرض( ميخا4:13). وكان من الممكن ألا يعبأ المرء منا بحوادث كهذه, جرت منذ حوالي ألفين وخمسمائة عام, لو لم يكن لها أثر فعال علي حياة الشعوب وما يصيبها من ظلم أحفاد أولئك الأجداد الذين جعلوا من التوراة خمارا يحجب عن الأعين رؤية الأنياب الوحشية فقد ظلت هذه المأثورات تتناقل من جيل إلي جيل, تتداولها المناهج الأكاديمية والبرامج الإعلامية ويلقنها اليهود لأبنائهم في المدارس علي مختلف مراحلها والأشد من هؤلاء سريانها بين رجال الدين أنفسهم, الذين أصبحوا أكثر الناس حماسا واعجابا بالجيش والروح العسكرية, وهم بهذا يعطون الجيش شهادات بأنه ينفذ تعاليم الدين اليهودي وبالنتيجية نري أن الحاخامات: زيفي يهودا كوك وشلوموا افيز وإسرائيل أرييل, ينظرون إلي العرب المقيمين في فلسطين علي أنهم لصوص وقد نشر إسرائيل أرييل خرائط تحدد كل الأراضي التي كانت يهودية وتحتاج إلي تحرير وهي تشمل كل الأراضي في غرب وجنوب نهر الفرات والتي تمتد عبر الكويت ويقول شلومو أفيز: يجب أن نعيش في هذه الأراضي, حتي لو كان الثمن الحرب وإذا وجدنا أنفسنا في حالة سلام, فإننا ينبغي أن نشعل حروب تحرير, لكي نستولي علي هذه الأراضي هذا هو مشروع الصهاينة للسلام, أما المشروع العربي للسلام فهو رهان ينبعث من رحم العجز السياسي العربي والذي سيغيب في التاريخ, كما غابت قبله اتفاقيات أوسلو وخطة ميتشيل وخطة تينيت وخريطة الطريق, وأخيرا المبادرة العربية.