تماما كما هو متوقع. مادة الاخلاق ستعود. هل تتذكرونها؟ إنها المادة التي كانت مقررة علي أولادنا في المرحلة الابتدائية قبل سنوات قليلة مضت حين تفتق ذهن أحدهم في وزارة التربية والتعليم عن تكليف الخبراء بتأليف منهج يدرس اسمه الاخلاق لإعادة غرس القيم والأخلاق المفتقدة في المجتمع لدي الصغار. وتم تأليف الكتاب, وطبعت منه ملايين النسخ وتم وتوزيعها علي التلاميذ لتبقي في أدراج مكاتبهم. واتحدي أن يكون مدرس واحد قد درس تلاميذه جملة واحدة مما ورد في هذه الكتب. وبما إن هذه المادة لم يكن فيها امتحان, فقد أحيل الكتاب من أدراج التلاميذ إلي أصحاب محلات التسالي التي ثبت بالحجة والبرهان أنها المستفيد الأكبر من فرض مادة الأخلاق. وأتذكر جيدا كيف تصفحت كتاب الأخلاق الخاص بإبني وانا أضع الكتب في صندوق بعد نهاية العام الدراسي, فوجدت أن صفحاته مازالت ملتصقة ببعضها, وهو مايعني أن الكتاب لم يتم حتي فتحه, وقبل أيام, أعلن فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة ووزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر عن اكتشافهما نقاط خلل عدة في مناهج التربية الدينية, وأن بها مايحض علي التطرف والعنف. ورغم التأكيد علي أن المادة الجديدة لن تلغي مادة التربية الدينية الإسلامية أو المسيحية, ورغم الجدل الذي بدأ يحتدم حول ضلوع أمريكا تارة وإسرائيل تارة أخري في مسألة مناهج الدين, إلا أن مايعنيني الآن هو مادة الأخلاق. فهل سنعيد تأليف وطبع وتوزيع مادة الأخلاق بغرض دراستها أم بغرض إعادة تخزينها في الدرج؟ وهل في حال إعادة تدريسها سينتج عنها اعتدال الحال المايل الذي نعيشه في مصر من تدني أخلاق, وانعدام ضمير, وفساد ذمم, إلي أخر القائمة؟ فضيلة المفتي يقول أن المنهج الجديد سيعني ببناء الإنسان لأنه محور عملية التنمية, وأن ذلك يجعله أكثر قدرة علي التعايش مع جميع أفراد المجتمع, كلام جميل, لكن حين يقوم بتدريس هذا المنهج المدرس الذي كان عطشانا فقدم له أحد تلاميذه زجاجة المياه الخاصة به, فرفض لأن التلميذ مسيحي, أو المدرسة التي تحذر تلميذاتها المسيحيات من مصادقة البنات المسلمات هل سيؤتي المنهج الجديد ثماره؟ طيب وماذا عن البيئة المحيطة بالتلاميذ الذين سيدرسون المادة الجديدة التي سترفع من شأن أخلاقهم, هل سيتمكنون من التعامل معها دون أن يتأثروا سلبا بها؟ يعني مثلا حين تنصلح أخلاقهم, ويتعلمون أن الإنسان السوي عليه أن يتقبل الرأي والرأي الآخر, ثم يجدون نائبا محترما في مجلس الشعب يطالب برمي المحتجين والمعترضين من الشباب بالنار, هل سينتابهم شعور بالتفسخ؟ وحين يتعلمون أن المواطن الحق هو صاحب الذمة النظيفة البعيدة كل البعد عن الفساد, ثم يجد أن الحكاية أبعد ماتكون عن ذلك, وأنه كلما كان المواطن أكثر قدرة علي التهليب وأعمق خبرة في التظبيط فإنه يكون أقدر علي أن ينعم بحياة سهلة مرفهة. وحين يتعلم أن لكل مجتهد نصيبا, وأنه علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي علي قدر الكرام المكارم ثم يفاجأ بأنه بقدر أهل المعارف تأتي الوساطة, وتأتي علي قدر اللئام المكارم, هل لنا أن نتخيل شعور أولئك التلاميذ الذين سيسهرون الليالي لينهلوا من كتاب الأخلاق ويتوجهوا إلي لجان الامتحان ليكتبوا كل ماحفظوه من قواعد الأخلاق وقيم الاستقامة ومباديء المواطنة ثم يجدون أن ذلك ليس إلا إضافة جديدة إلي قائمة المناهج التي تثقل كواهلهم ولا تمت للواقع بصلة إلا القليل؟ أتمني أن تعيد وزارة التربية والتعليم النظر في أمر إضافة تلك المادة, أو علي الأقل أن تخطط لها وتضع رؤية مستقبلبة لتدريس هذه المادة, لأن أدراج التلاميذ متخمة, وكذلك يومهم. وأتحدي أن يكون مدرس واحد قد درس تلاميذه جملة واحدة مما ورد في هذه الكتب. [email protected]