شائعات إلغاء حصة الدين في المدارس.. كاذبة وقائع اغتيال كتاب مدرسي اسمه «جامع الأديان» وفقاً لأبسط المفاهيم والاستدلالات المنطقية.. لايمكن أن نجد من يسعي لتدمير قيمه ومعتقداته.. لا يمكن أن نتصور وجود من يدفع «الأخلاق» إلي الانتحار.. أو الانفجار إلي حيث لا رجعه؟ لكن عملياً.. باتت الصورة عندنا - رغم غرابتها - محتملة الحدوث.. فما أن ظهر اقتراح د.أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم بتأليف كتاب يجمع قيم الأديان السماوية الثلاث لتعميق فكرة «المواطنة».. حتي لاحت في الأفق بوادر أزمة جديدة تطارد الوزير.. وهي سبق أن خاضها سلفه د. حسين كامل بهاء الدين عندما كان يشغل نفس موقعه قبل سنوات.. الأزمة بدأت بتصريح بدر بأنه بصدد إرسال مواد التربية الدينية الإسلامية والمسيحية إلي كل من الأزهر والكنيسة لمراجعتها وإزالة كل ما يسيء للآخر ويدعم أفكار التمييز والتطرف الديني من خلال المناهج التعليمية. وانفجر بعد ذلك سيل الاتهامات للوزير، ولوح منتمون لجماعة الإخوان «المحظورة» بأن هناك صفقة تعقدها الحكومة مع الأقباط وهي الإدعاءات التي عكستها أيضاً ممارسات نواب الجماعة بالبرلمان، الذين روجوا إلي أن الحكومة بصدد إلغاء مادة الدين الإسلامي من المدارس! وهو نفس السيناريو الذي تم تنفيذه مع د.حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق عندما لاحظ أن هناك تيارات تحاول السيطرة علي الجهاز التعليمي.. فأطلق مبادرة تنقية المناهج التعليمية مما تخللها من أفكار تكرس للتمييز.. وكان المقترح آنذاك هو تدريس مادة جديدة بالمراحل التعليمية المختلفة تدعم القيم الإيجابية المشتركة بين الأديان لنبذ التطرف والتمييز. وتم تشكيل لجنة ضمت كلا من شيخ الأزهر الراحل والبابا شنودة الثالث بابا وعددا من علماء الدين الإسلامي والمسيحي من أجل التوصل إلي قيم دينية مشتركة، حتي يشعر الطلبة بالمساواة. وبالفعل تم إعداد منهج مستقل يدرس في المرحلة الابتدائية أطلق عليه (القيم والأخلاق).. وكان هناك إيمان لدي الوزارة - نعتقد أنه لايزل سارياً - هو أن التطرف في الدين لابد أن يطارد كل ما هو «علمي» ويشكل خطرا علي روح الوسطية، إذ كان أمام مكتب بهاء الدين العديد من وقائع التطرف، نقل علي أثرها عدد من المدرسين إلي الأعمال الإدارية وهؤلاء عادوا للتدريس مرة أخري بعد إقرار الكادر في عهد د. يسري الجمل. بهاء الدين كان يعتقد أنه قطع شوطاً مهماً بوضع منهج الأخلاق ليدرس إلي جانب مادة التربية الدينية خلال المرحلة الابتدائية، وإقصاء أصحاب الفكر «الشاذ» من المواقع التعليمية إلي قطاعات أخري لا يتعاملون فيها مع التلاميذ بشكل مباشر، إلا أنه كان مخطئاً في بعض جوانب تصوره مما أدي إلي اتجاهات متطرفة جديدة داخل المؤسسة التعليمية نفسها إلي أن تم طرح تدعيم قيم المواطنة من جديد.. والحديث عن تطوير المناهج وعن وجود اتجاه داخل الوزارة لإعادة تدريس مادة الأخلاق بالمراحل التعليمية المختلفة. وحسبما هو معد من المفترض أن يتم تدريس المنهج ابتداء من العام الدراسي 2011 مع بدء تطبيق النظام الجديد للثانوية العامة. إلا أن إحياء فكرة تدريس مادة الأخلاق وجه بمعارضة من جانب بعض النواب المنتمين إلي فصيلة «الإسلام السياسي»، كما حدث مع د.حسين كامل بهاء الدين بعد عام وحيد من تدريس هذه المادة في المرحلة الابتدائية فقط! رغم تأكيدات الوزارة علي أن مادة (الأخلاق) تهدف أساساً إلي تشجيع قبول الآخر وتحض علي قيم التقدم والأخلاق الحميدة والتعاون والصدق والتراحم بين الناس. أضطر الوزير لأن يجد نفسه في النهاية في موضع الدفاع عن النفس، بعد أن اتهموه بمحاولة إلغاء منهج الدين وفقاً لضغوط أمريكية! بحسب حسين كامل، فإننا نحتاج إلي تطوير المناهج وفقاً لقيم المواطنة وأن مادة «الأخلاق» تدرس في كثير من دول العالم وليست وليدة أو مبتكرة .. فهي تستمد مبادئها من الأديان السماوية وتعطي رسالة واضحة للتلاميذ بأن هناك قيما إنسانية وأخلاقية ينبغي الحفاظ عليها. وإنها لم تكن بديلة لأي مادة سواء الدين أو غيره وإنها تنقل للمواطن والطالب ما ينبغي أن يكون عليه، وما يجب أن يسلكه من سلوكيات في إطار قواعد عامة للحياة المدنية تجعله يحل مشكلاته الحياتية وفقا لمنهج علمي «عقلاني» دون أن يتطلب الأمر وجود «مفتي أو قسيس» إنما وفقا لقواعد عامة. فهي تتحدث عن المصري بصفته مواطنا بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق.. وبالتالي يتسرب إلي التلاميذ الشعور بالمساواة كمواطنين يسلكون سلوكيات في إطار قيمي واحد. وبغض النظر عن الانتقادات - والقول لبهاء الدين- فهي لم تكن بديلة عن مادة الدين .. إنما كانت مادة خاصة بمبادئ الحياة تعلي قيمة المساواة وعدم التمييز فالجميع متساوون أمام الدستور والقانون في إطار وطن واحد. د. يسري عفيفي - مدير مركز تطوير المناهج التعليمية السابق- في فترة د.يسري الجمل علق علي تدريس مادة الأخلاق قائلا : هذا الكتاب «مشبوه» .. وتدريس هذه المادة لن يفيد التلاميذ كثيرا، وليس له أثر يذكر إذا تمت دراستها ككتاب قائم بذاته بشكل مباشر! وشكك عفيفي في الدوافع وراء تأليف «جامع الأديان» مروجا إلي أنه نتيجة ضغوط خارجية وتمويله يتم عبر المنح الأمريكية، وأن هدف «حسين كامل بهاء الدين » كان نقل القيم الأخلاقية، لكن كان التنفيذ بطرق غير سليمة.. وكان ينبغي أن يكون ذلك في إطار خطة تطوير المناهج التعليمية وهذا ما حدث بالفعل في نظام تطوير مناهج الثانوية العامة الجديدة. فالأمر لا يتوقف فقط علي المحتوي بقدر ما يتوقف علي طريقة الشرح والشخص الذي يقوم بالتدريس، والوعي المجتمعي بقيم المواطنة ونبذ التطرف والتمييز . وهذا يجب أن يتم بشكل خفي دون أن يشعر به التلاميذ بشكل مباشر .. يتغلغل في المناهج ويلمسه الجميع.. في التعاملات بين المدرسين والطلبة أو بين جميع أعضاء العملية التعليمية. فالأخلاق لا تحتاج من وجهة نظر عفيفي إلي منهج مباشر لتحفيظ الطلاب بعض الكلمات والمبادئ حتي يتجاوزوا الامتحان.. ولكن الأخلاق وفي مقدمتها «قيم المواطنة» يجب أن تسود العملية التعليمية بشكل عام. ولذلك كان المطروح هو أن تتغلغل تلك القيم في المناهج بحيث تتضمن مواد معينة مثل الفلسفة وليس عن طريق منهج مباشر يسخر منه التلاميذ! كانت هذه هي الصورة التي رسمناها عن المنهج الجديد في أعقاب إعلان موافقة بدر علي دراسة المقترح الذي قدمته وزيرة الأسرة والسكان د. مشيرة خطاب حول المنهج الجديد، محاولا تفادي حساسية الموقف بالتأكيد علي استمرارية تدريس مادة الدين، وعدم المساس بها حتي قبل أن يعطي توجيهات للمسئولين بالوزارة بأفكاره بشأن إعادة هيكلة المناهج التعليمية . د. علي الجمل مدير مركز تطوير المناهج التعليمية فاجأنا قائلا إنه لا يملك أي معلومات عن المنهج الجديد «جامع الأديان»، وأن ما يردد حول هذا الأمر مجرد شائعات! طرحنا علي الجمل ما يتم تداوله حاليا بين أولياء الأمور داخل الأوساط التعليمية، إلا أنه أكد لنا أن الدراسات ومذكرة التفاهم مع وزارة الأسرة والسكان كانت لتدعيم حقوق الطفل في ضوء قيم المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخر.. وهذا أمر طبيعي لابد من مراعاته في كل المناهج التعليمية.. والقضية ليست مجرد محتوي دراسي وحيد، لكن لابد أن يطبق ذلك علي المنظومة التعليمية بالكامل.