حكمت العمل التطوعي في سياقه الزمني ثقافتان مختلفتان الأولي تعتمد علي الإغاثة والاحسان والثانية علي التضامن والتعاون, وفي ظل التطورات السياسية المتلاحقة في العالم أخذت روح التضامن والتنمية تحل محل العمل الاغاثي. يقول المؤلف اللبناني د. كامل مهنا في كتابه في التطوع والعمل المدني والذي لمست حلمه عن قرب في أحد المؤتمرات بالوصول إلي أمة عربية موحدة, تحترم حقوق شعوبها وإلي شعوب تعمل بأجر ودون أجر من خلال العمل التطوعي لتحقيق هذا الحلم. إن التنامي التصاعدي لدور الهيئات التطوعية في ظل سياسة اقتصاد السوق, وإعطاء أهمية متزايدة للقطاع الخاص والحد من الدور الخدماتي للحكومات, وما نتج عنه من فوارق اجتماعية وإفقار لشريحة واسعة في المجتمعات جعل مفهوم التطوع يأخذ منحي جديدا سواء بأجر أو بدون أجر إذ بات يقاس كقوة عمل تدخل في الاسهام الاقتصادي والاجتماعي من الناتج القومي. ويقول د. مهنا في كتابه ان العمل التطوعي بالاضافة إلي البعد الخيري والانساني بدأ يأخذ بعدا تنمويا من أجل تخفيف معاناة الجماعة أو ترقية وضعها. تحملت الهيئات التطوعية المسئولية سواء خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي للبنان أو بعد انتقال بيروت إلي حالة السلم من خلال النضال ضد النزاعات الفئوية والطائفية والمذهبية بعكس ما كانت تفعله القوي المتحاربة, حيث وجدت الهيئات التطوعية نفسها في مرحلة ما بعد الحرب أمام تحد جديد وهو كيفية التأقلم مع الواقع الناشيء, والانتقال من حالة الطواريء والاغاثة إلي الانخراط في عملية التنمية للمساهمة في تطوير المجتمع. ويبرز د. مهنا في كتابه تأثر العمل التطوعي بالثورة الرقمية وأهمية وسائل الاعلام الاجتماعي ففي زمن العولمة والتطور التقني اللامحدود أصبح الاعلام الاجتماعي متنفسا يواكب الأفراد والجماعات وخاصة فئة الشباب, حيث لعبت وسائل الاتصال الحديثة دورا مهما في الحراك العربي ودول أخري في العالم, وهذا ما عزز طاقات المجتمع المدني والهيئات التطوعية في مجال الاعلام الرقمي الاجتماعي, إذ فتحت الثورة الالكترونية أبوابا جديدة للعمل التطوعي مقدمة نماذج لتحركات فعالة للتطوع عبر الشبكة الالكترونية. ويطرح المؤلف تجربة مؤسسة عامل التي يرأسها في لبنان كنموذج للعمل التطوعي وهي تنطلق من مفهوم المواطنة ونبذ الطائفية وتأسست عقب الغزو الاسرائيلي للجنوب اللبناني عام1978, ولديها23 مركزا في المناطق الشعبية يعمل بها300 شخص بينهم100 متفرغ و200 يتقاضون بدلا عن مجهوداتهم التطوعية. يوضح الكتاب أهمية ادخال العمل التطوعي في صلب المفاهيم الدراسية والأنشطة التعليمية وضرورة وضع خطة تنفيذية للتطوع بإشراف وزارات التربية والتعليم العالي والشئون الاجتماعية والوزارات المعنية, ووضع برامج مشتركة للتطوع بين الجمعيات والقطاعات الحكومية, إضافة إلي ضرورة أن يسهم الإعلام المرئي بشكل خاص في التحفيز علي التطوع ونشر ثقافته. رابط دائم :