تمتعت منطقة وادي النيل بحضارة عريقة موغلة في القدم تبدأ بالعصور الحجرية التي تميزت بإنتاج حضاري متميز ومتنوع, وتعتبر هذه المنطقة من أقدم المناطق معرفة بصناعة الفخار في العالم القديم وأيضا كانت سباقة في اكتشاف الزراعة ومن ثم الاستقرار وتكوين أقدم حضارة عريقة في افريقيا وكانت من أقدم المناطق التي تميزت بمعرفة البعث والإيمان به, لذلك دفنوا موتاهم في مقابر ووضعوا معهم الأثاث الجنائزي حتي يستخدموه في العالم الآخر. تميزت هذه المنطقة بإبداعاتها الحضارية المتميزة وخاصة الأدوات الحجرية التي كانت تستخدم في شتي أنشطتهم اليومية وبرعوا في صناعة أنواع وأنماط مختلفة من الفخار والذي يتميز بزخارفه التي تساعدنا في تأريخه وتطورت الدفنات ومن ثم تستخدم أيضا في التأريخ وكذلك الحلي والمنحوتات والتماثيل التي تميز هذه الحضارة في عصورها المختلفة. عند نهاية الدولة القديمة بدأت حضارة شبه مستقلة في السودان القديم وهي حضارة كرمة التي انتهت بقيام الدولة الحديثة وتميزت هذه الحضارة بسمات حضارية مثل كبر حجم المقابر والدفن علي السرير والتضحية بالأتباع والخدم والحيوانات الأليفة ودفنهم جميعا مع سيدهم. خلال الدولة الوسطي استوطن عدد كبير من المصريين خاصة من طيبة القلاع الموجودة في النوبة, وأصبحت كوش دولة مستقلة في الفترة بين سقوط الدولة الوسطي وقيام الدولة الحديثة سميت دولة كوش والتي حاول الهكسوس استمالتها لوضع مصر بين فكي كماشة( لوحة الملك كامس) وبعد طرد الهكسوس اتجه ملوك مصر لتأمين حدودهم الجنوبية وعادوا إلي ارتياد النوبة وتأمينها, وبدأت حركة تمصير النوبة حيث أقيمت المعابد فيها, وبدأ ظهور منصب نائب الملك كوش منذ عصر كامس. منذ نهاية الأسرة العشرين ما بين عامي1070 و1000 ق.م بدأت تظهر إلي الوجود حضارة جديدة اتخذت من الكورو جبانة لها عثر فيها علي مقابر بسيطة ثم تطورت المقابر إلي مصاطب, وأسماء حكام هذه الفترة غير معروفة. في القرن التاسع ق.م ظهرت نبتة كقوة مؤثرة صاعدة, وبدأت هذه الفترة بالملك ألارا أو ألول, الذي تحدثت الملكة تابيري زوجة بيعنخي علي لوحتها عن مدي قوة الملك ألارا وسلوكه الطيب فيما يتعلق بالمعبود آمون, وفي لوحة طاهرقه من كوة وصف الملك ألارا بأنه الزعيم أو الرئيس, وربما تقع مقبرته في الكورو. عندما وجد الملك بيعنخي الفرصة مناسبة نتيجة ضعف مصر وشيوع الفوضي والحرب بين الأمراء المتنافسين فتقدم نحو مصر واستولي علي طيبة وتقدم شمالا وحصل علي ولاء الحكام والأمراء وطارد تاف نخت ملك سايس وقد سجل تلك الأحداث علي لوحة النصر التي عثر عليها في معبد آمون عند جبل بركل. في الأسرة الخامسة والعشرين ازدهرت الفنون والعمارة في محاولة إعادة أمجاد الماضي وكفراعنة جدد اتخذوا لأنفسهم الألقاب الملكية وبنوا مقابرهم علي هيئة أهرامات, وكانت قمة ازدهار تلك الأسرة تحت حكم رابع ملوكها في مصر طاهرقه الذي قام بالعديد من الإنشاءات في مصر والنوبة. حاول تانوات آمون تحرير مصر من الآشوريين مما جعل اشوربانيبال يزحف جنوبا ويحتل طيبة للمرة الأول في تاريخها. وبعد ذلك ينجح أمير سايس بسماتيك الأول في تحرير مصر من الآشوريين مكونا الأسرة26 في سايس ويحاول بسماتيك الثاني إعادة السيطرة علي كوش فيرسل حملة, جعلتهم ينقلون عاصمتهم جنوبا إلي مروي بين الجندل الخامس والسادس وأصبحت بذلك النوبة السفلي منطقة عازلة مرة أخري بين المملكتين اللهم إلا في مجال التجارة. بدأ العصر المروي مع نهاية الأسرة26 واستمر معاصرا الأسرات من السابعة والعشرين إلي الثلاثين وكذلك عصر البطالمة والرومان, ازدهرت الحضارة في مروي في منطقتها الخصبة وموقعها البعيد عن الغزوات التي تعرضت لها مصر في عام525 ق.م حاول قمبيز بعد سيطرته علي مصر غزو النوبة لكن حملته هزمت ولم يحاول إرسال أخري. استمر ملوك كوش في إخلاصهم لتقاليد الحضارة المصرية باعتبارها ارثهم في شتي المجالات مثل الفنون المختلفة والديانة وحملوا علي عاتقهم الإخلاص لقواعدها الحضارية في فترة أصبحت مصر تحت حكم البطالمة ثم الرومان. أخيرا ليتنا نتعلم من الماضي وندرك أن مصر والسودان شعب واحد وأرض واحدة وتاريخ مشترك واحد ونهر يربط بينهما كما يربط الشريان الجسد الواحد. رابط دائم :