تمثل قرية تونس, بمحافظة الفيوم, لوحة طبيعية خلابة في أحضان الريف وعلي ضفاف بحيرة قارون, فالهواء النقي والهدوء والطبيعة الساحرة والمناظر الطبيعية, التي جعلت القرية من أهم مصادر السياحة الريفية والبيئية في مصر, الامر الذي أثار الاتحاد الاوروبي الذي أوفد لجنة إلي القرية لتنفيذ مشروع سويسرا الشرق في مصر, حيث تتشابه القرية في مكونتها الطبيعية وطرازها المعماري الريفي المميز, بالريف السويسري. وتقع قريةتونس الخضراء, بمركز يوسف الصديق, علي ربوة صخرية عالية ثم تأخذ في الانحدار في هدوء عجيب حتي تصل إلي شاطئ بحيرة قارون فلا يفصلها عن المياه سوي مساحات من الخضرة والأشجار, هذا بخلاف عشرات الطيور النادرة التي تعيش علي ضفافها وتزيد من روعة القرية, وبساتين الفاكهة وأشجار الزيتون المتناثرة في كل ناحية. وتضم القرية250 منزلا وفيلا علي نفس النهج المعماري للفنان المعماري العالمي حسن فتحي,الذي يتميز بناؤه بأنه من الطين والقباب, مما يسمح له بأن يظل باردا طول الصيف دافئا في الشتاء, وروعي في تصميمها شكل الطابع الريفي البسيط الذي يجمع روعة التصميم, والطلاء والنقوش المعبر عن كل العصور التي عرفتها الحضارة المصرية وتكوينه الذي يرتفع عن سطح الأرض إلا بطابق واحد وفناؤه الداخلي الذي يحتضن غرف المنزل في خصوصية تضمن لساكنيه الرحابة والحياة المريحة. ويأتي إلي قرية تونس العديد من الفنانين من مختلف دول العالم, حيث سحرهم المكان الذي يساعد علي تفجر طاقات الابداع الفني لديهم, ومن أشهرهم الفنان أحمد زغلول حفيد سعد زغلول وفنان الكاريكاتير نبيل تاج, ومحمد عبلة, والشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي, وتتابع توافد الأدباء والفنانين علي المكان من دول أوروبية مثل إنجلترا وإسبانيا وهولندا وسويسرا وأمريكا وكان من بين من استقروا في القرية, بستان أبو زيد, من جامعة تورنتو بكندا, والمترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز, أول من ترجم روايات نجيب محفوظ, والذي كان ضمن البعثة التي جلبها الدكتور طه حسين لتدريس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب سنة1945 وللايزال يعيش حياته في القرية مع زوجته الفنانة الإيطالية باولايفز, بالاضافة إلي الشاعر سيد حجاب وزوجتة السويسرية إيفلين, التي لاتزال تقبع في القرية منذ ما يزيد عن45 عاما, وأنشأت مدرسة لتعليم فن صناعة الخزف والفخار, والذي يصدر, إلي مختلف الدول الاوروبية. أما سكان القرية الأصليون فلا يتجاوز عددهم الأربعة آلاف نسمة يمتهنون الزراعة وصيد الأسماك, وبعضهم اتجه للعمل في صناعة الخزف والفخار داخل مدرسة إيفلين السويسرية, والمفارقة العجيبة أنهم يعيشون بعيدا عن تلك البقعة الأوربية فتقهقروا إلي الناحية القبلية من القرية يراقبون عن كثب ذلك المشهد الحضاري الذي قلما يتكرر في محافظة أخري غير الفيوم. وقامت الفئة من سكان القرية بالاستفادة من موقع القرية السياحي وشهرتها فاتجهوا لبناء الفنادق البسيطة لاستقبال الضيوف الكثيرين وبعضهم أنشأ المطاعم الخاصة بإعداد الأكلات الفيومية الشهية التي أسهمت أيضا في شهرة القرية. ولعل أهم ما يميز قرية تونس متحف الكاريكاتير الذي أنشأه الفنان محمد عبلة, في2009 كأول متحف للكاريكاتير في الشرق الأوسط والذي جمع فيه رسوما كاريكاتورية نادرة بداية من عام1927 من إبداعات الفنانين صاروخان, صلاح جاهين, ورخا, وبهجوري, وزهدي, ومصطفي حسين, وطوغان, وجمعة وغيرهم من فناني الكاريكاتير إضافة إلي مركز الفيوم للفنون والذي أنشأه أيضا الفنان محمد عبلة في ديسمبر2006 ليكون واحة للمبدعين من جميع أنحاء العالم. وتعد قصة إيفلين السويسرية ضمن أسباب شهرة قرية تونس حيث لم تأبه بأرقي مدن العالم سويسرا وأغلي مستوي معيشة بها فتركتها وتخلت أيضا عن لغتها الأصلية وبدلا من أن تعيش في قصور وشقق وسويسرا الفارهة, أدارت ظهرها لذلك كله, وجاءت في عام1965, وزوجها في ذلك الوقت الشاعر الغنائي الشهير سيد حجاب, ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش بتلك القرية الخلابة, لمدة قاربت من48 عاما, حيث تقيم في الفيوم داخل منزل ريفي بسيط يحيط به سور من الحجر والطوب اللبن يطل علي بحيرة قارون. وتحولت إيفلين, إلي فلاحة سويسرية علي أرض الفيوم ترتدي ملابسهم وتسير حافية القدمين وتشرب من الطلمبة وتنير منزلها بلمبة الجاز, وأنشأت المشروع الأهم بالقرية جمعية بتاح,- وهو إسم فرعوني يعني المحب-, لتدريب أولاد الريف والحضر علي صناعة الخزف والذي يقوم بتدريب15 تلميذا وتلميذة من أبناء القرية سنويا علي فنون الخزف لينضموا إلي كتيبة الفنانين الذين تم عمل معارض لهم في مصر وفي العديد من الدول الأوروبية. وقالت إيفلين, إنها تعيش في القرية منذ سنوات طويلة بعد ان سحرت بجمالها والطبيعة الخلابة, مشيرة إلي أنها تعيش منذ ذلك الوقت كفلاحة ضمن فلاحات القرية, واضافت انها بدون كهرباء أو مياه لمدة10 سنوات في بداية إقامتي بالقرية, ولم أشتر التليفزيون إلا من14 عاما تقريبا. وتستكمل إيفلين حديثها تزوجت بالقرية من الفرنسي ميشيل باستورلي بعد طلاقي من الفنان سيد حجاب, وأنجبت ولدا وبنتا وهما أنجلو وماريا, واللذان يعيشان معها بالقرية. وتؤكد إيفلين أن منتجات صناعة الفخار والخزف بالقرية يتم تصديرها إلي مختلف دول, أوروبا وتقام معارض بالقرية, يحضرها فنانون من مختلف دول العالم, وتشير إلي أنها تقوم بتعليم أبناء القرية فنون صناعة الخزف والفخار. ويذكر أن الاتحاد الاوروبي يدرس تنفيذ مشروع سياحي كبير بالقرية بالتعاون مع وزارتي الاسكان والسياحة, بالقرية علي مساحة5000 فدان, لإقامة مشروعات الخزف, و الحجر الفرعوني والرخام ودراسة إنشاء مشروع لإنتاج السماد العضوي. قال أحمد محمود رمضانأحد أهالي القرية, عرفت قريتنا باسم تونس الجبل وكانت قرية مهجورة استوطنها الذئاب والحيوانات الضالة, حتي وفد إليها بعض القبائل من شبه الجزيرة العربية واستوطنتها ولهذا فإن نسب الكثير منا يرجع إلي تلك القبائل وقد استفادوا من موقع القرية البديع فعملوا في صيد الأسماك وزراعة أشجار الزيتون بالصحراء الشاسعة المحيطة بالقرية, ولم يفكروا في أبعد من هذا, واستمر هذا الحال علي ماهو عليه حتي عام1963 عندما جاء لزيارتها الشاعران الكبيران سيد حجاب وعبدالرحمن الأبنودي لحضور أمسية شعرية عن مواويل القبائل العربية وسرعان ماوقعوا في حب القرية التي حباها الله بطبيعة خاصة من مياه صافية وأرض عفية وخضرة في كل مكان فدعوا زملاءهم من أصحاب الفنون المختلفة لمعاينتها علي الطبيعة. ويقول عبد الرحمن أيوب أحد أهالي القرية, اتجه الكثير من أهالي القرية للعمل في صناعة الخزف بعد أن تعلموا الصناعة في مدرسة السيدة إيفلين التي نعتبرها من أهالي القرية فقد عاشت في مصر منذ أكثر من48 عاما واستوطنت قريتنا قبل أن يولد الكثير منا ولم تهجرها أبدا حتي أن ابنتها الوحيدة تزوجت من أحد رجال الأعمال المصريين بعد أن وقعت في حبه بتشجيع من والدتها التي عشقت كل مايحمل الجنسية المصرية.