خلاص زهقنا من حكاية الستات والرجالة من هو الأفضل؟ ومن هو الأقدر؟ وهل من حق المرأة تولي المناصب القيادية؟ وهل المرأة أذكي من الرجل؟ وهل الرجل أقوي من المرأة؟ ومن منهم أحق بالقوة والسيطرة؟ برجاء التوقف عن هذه المهزلة غير الإنسانية لأننا أصلا مش عايشين عيشة بني آدمين. لما العيشة تستوي للرجال والنساء والأطفال ونحصل علي حقوقنا البديهية والبدائية, فوقتئذ فقط يمكن أن نبدأ في الحديث عن حق المرأة وسلطة الرجل! كلمات حادة وقوية أرسلها قارئ عزيز عرف نفسه بأنه كيمو في رسالة وصلتني عبر البريد الالكتروني. ورغم زن ما ورد فيها بدا منطقيا تماما, إلا أنني أختلف معه في بعض النقاط. صحيح أن المواطن المصري بات يعاني الأمرين طيلة ساعات النهار وجانبا من الليل إلي أن يأوي إلي فراشه. بل أن المعاناة قد تستمر حتي بعد أن يستغرق في النوم إذ تهاجمه كوابيس أتوبيس النقل العام بحمولته غير الآدمية. أو الميكروباص ببلطجيته والمافيا الصامتة الحامية له, أو العيش الذي تترفع بعض الطيور عن آكله, أو اللحمة التي تترفع الجيوب عن مجرد محاولة الوصول إليها. ورغم ذلك, فإنني أري أن المشكلة تتحول بقدرة قادر إلي مشكلتين حين تتعرض لها المرأة, وأن المصيبة تتضاعف إلي مصيبتين إذا لحقت بالمرأة, وأن الصعوبات الحياتية اليومية تتكاثر وتتوالد حين تحمل تاء التأنيث. فللأسف الشديد اصبحت المرأة المصرية هي الحيطة المايلة في المجتمع, وهي كبش الفداء لكثير من المشكلات لمجرد أنها واعذرني يا كيمو الطرف الأضعف, وللاسف الأقل ثقة في النفس. فالرجل إذا كان يعاني كبتا جنسيا, أو نشأ في أسرة قصرت أو فشلت في تربيته وتركته يعتقد أن من حقه كذكر أن يلتهم أي أنثي علي الأقل بعينيه, وأنها لو اعترضت فمن حقه أن يصب لعناته عليها كان الحل الأمثل هو أن نطالب بتعميم زي الخيام علي كل النساء, وكل من لاترتدي خيمة تستحق ما قد تتعرض له. والرجل إذا أخفق في العثور علي فرصة عمل تحقق له أحلامه أو حتي لو عاكسته الظروف ومنعته من تحقيق طموحه المهني الذي يصبو إليه, فإن المرأة التي تعمل في وظيفة كان يعمل بها أكيد هي السبب, وأكيد هي التي أخذت فرصته دون وجه حق. والرجل الذي يعاني نقصا في الثقة في النفس, ولا يري نفسه مثبتا ذاته أو فارضا شخصيته إلا في ظل وجود زوجة مسطحة المعلومات منزوعة الثقافة يجبرها علي ترك عملها أو يخيرها بين حياتها معه أو عملها حتي وان كانت قادرة علي توزيع وقتها وجهدها بين الاثنين, لكنه يصر لا لشيء إلا ليشعر بالفوقية. والرجل الذي صعد إلي الأتوبيس أو يصارع من أجل اللحاق بالميكروباص ويجد صعوبة في ذلك, فإن أول ما يفكر فيه هو صب لعناته علي الراكبات من النساء لأنهن نزلن من بيوتهم ويزاحمنه في المواصلات. والشاب الذي يحصل علي درجات متدنية في الكلية لأنه فهلوي وشاري دماغه من موضوع العلم ومعتمد علي تحصيل بعض المذكرات ليلة الامتحان, ثم يفاجأ بان زميلته حصلت علي درجات مرتفعة وتقدير مشرف, لا يجد من الحجج والأعاذير التي تبرر خيبته القوية إلا التأكيد علي ان البنت التي تفوقت استخدمت أسلحتها الأنثوية مع الاستاذ, ومن ثم تفوقت. والسائق الذي يأتي بأعمال بهلوانية أعلي كوبري6 أكتوبر ويحاول أن يناهض قوانين الطبيعية ليتعدي السيارات ويكسر عليها ويجد نفسه رغم كل هذا الجهد لم يتقدم سوي بضع خطوات يلصق تهمة الأزمة المرورية بالنساء اللاتي تركن تقميع البمية وهجرن مسح البلاط من أجل تعطيل المرور. والجاهل الذي لا يعرف الفرق بين الألف وكوز الذرة الذي يشاهد التليفزيون فيجد خبيرة متخصصة أو عالمة متميزة تشرح وتفند المعلومات والحقائق التي لم يسمعه عنها من قبل لا يجد من أسلحة الدفاع عن جهله سوي السخرية منها ومطالبتها بالعودة إلي المطبخ لحشو الباذنجان. بصراحة شديدة, المرأة تدفع ثمن عقد الرجال, وإحباطاتهم, وأخطائهم, ونزواتهم, وإخفاقاتهم. وهي مازالت تدفع هذه الفاتورة الباهظة دون أن تشكو بالقدر الكافي ودون أن تطالب بوقف هذا الاستنزاف ولا مؤاخذة الاستهبال المستمر. استهبال اللحمة استهبال من نوع آخر, ولكنه استهبال من شأنه أن يوحد صفوف النساء والرجال ألا وهو الاستهبال المتعلق باللحوم الحمراء. فنحن نعيش هذه الأيام مولد أزمة اللحمة, وهو المولد الذي نحتفل به ونستعد لشعائره مرتين في السنة علي أقل تقدير. لكن الحق يقال ان شعائره هذه المرة تتخذ شكلا أكثر طرافة وتشويقا. فعلي غير العادة توحدت صفوف الشعب والحكومة, ووقف الطرفان المتخاصمان منذ زمن علي جانب واحد لمناهضة جنون الجاموس والأبقار والماعز والخرفان وأخذوا معهم جموع الفراخ وأنواع الأسماك, بل وانضم إلي الحرب المستعرة الباذنجان بأنواعه الرومي والعروس الأبيض ومنه الأسود, ومعه الكشري والعدس ذو الجبة وبدونها. ومعهم بالطبع حبيب الملايين ومؤسس الأسرة الخامسة والسادسة مرورا بأهل الدويقة والعمرانية وخط الهرم والجيزة ألا وهو ملك الملوك الفول المدمس. فقد شمرت الحكومة عن سواعدها, وكشرت عن أنيابها, ليس لضرب شباب المتظاهرين بالنار, أو لعصر ممولي الضرائب حتي آخر قطرة من دمائهم, ولكن لدعوة جموع المصريين إلي مقاطعة اللحمة الحمراء المضرة وتأديب الجزارين الوحشين الشريرين اللي بيرفعوا الأسعار من غير مايكون في قلبهم شوية رحمة. ورغم تبادل الاتهامات بين الجزارين وأصحاب المزارع, وبين وزارة الزراعة وشعبة اللحوم والجزارة والحكومة, وبين المواطنين والقائمين علي المجمعات الاستهلاكية التي يفترض أن تبيع اللحوم المستوردة,إلا أن أحدا لم يتذكر دور الحكومة أو حماية المستهلك في مسألة الأسعار. وغرقنا, نساء ورجالا, في دودة الساركوسيست الهندية, والحمي القلاعية الأثيوبية, والعقوبات الحيوانية الأسترالية, والصعوبات الجغرافية النيوزيلندية, واختلاف الأعلاف البرازيلية, وتغير النكهة الأوروجوية, ولم يتبق لدينا من الجهد أو الوقت لنفكر في دور الحكومة المصرية. فالموقف الراهن يحتمل أحد احتمالين: إما إن الحكومة مسكينة وقد أعيتها كل السبل والوسائل لضبط الأسعار وتوفير اللحوم بأسعار معقولة والتأكد من التزام المربين والجزارين بحد أقصي للأسعار مع الحفاظ علي الجودة, وإما أن الحكومة تري أنها ليست طرفا في المسألة فقرت أن تنضم إلي صفوف الشعب في كنس السيدة علي الجزارين. ومش بعيد كمان نجد استغاثة علي صفحات الجرائد الأولي موجهة من الحكومة إلي رئيس الجمهورية ليساندها ويعضدها لتجني أحد عليها, أو لإعادة حق مغتصب إليها. وعموما في الحالتين, فإن الحكومة التي تفشل في ضبط الأسعار تماما, أو لا تؤمن بأنها تلعب دورا في إدارة الأزمات, تكون حكومة لاتستحق أن تأكل اللحمة أو حتي تشم رائحة شوائها ولو من علي بعد. حقيقي شوية لحمة عملت أزمة من غير لازمة. قاموس المصريين كل شعب يبتدع علي مر السنوات كلمات وعبارات لاتعني بالضرورة المعني المباشر لها, لكنها بطريقة أو بأخري تنتقل عبر الدوائر الاجتماعية المختلفة, وليس عن طريق الكتابة أو التوثيق لتصبح كلمات وعبارات لايفهمها ولايدرك أبعادها سوي أبناء هذا الشعب أو ذاك, أو في بعض الأحيان من يعيش بينهم ويندمج معهم. ولا أعني هنا الشباب, أو عبارات الروشنة, او غير ذلك, ولكني أعني كلمات وعبارات نستخدمها جميعا, لكنها تحولت بسبب ظروف وأحوال سياسية واجتماعية واقتصادية إلي معان أخري لا تمت بصلة لمعناها المباشر. وفيما يلي بعض هذه الكلمات والعبارات التي أجدها بالغة العبقرية في تطور استخدامها. إن شاء الله طبعا هي عبارة تعني إذا أذن الله سبحانه وتعالي ولكنها باتت تستخدم لتعني أشياء لا حصر لها, بدءا ب مستحيل. فحين يقول لك أحدهم علي سبيل الشد من الأزر: بكره الأمور تتحسن, تجد نفسك ترد عليه بابتسامة صفراوية آه إن شاء الله! وأنت تعني ده من رابع المستحيلات. وقد تعني كذلك غالبا لا. فأنت تقابل شخصا لا تحبه بل وتمقته, ولكن اللياقة والتهذيب تجر بكلما معا علي تبادل التحية, وقبل الانصراف, يقول لك: خلينا نتقابل تاني, فترد عليه إن شاء الله, ولسان حالك هو ليه هو أنا مجنون؟ ده أنا مش باطيقك أصلا! * ابقي قابلني وهي عبارة تستخدم ليس للاتفاق علي مقابلة أو موعد, ولكن للتأكيد علي أن مايقوله محدثك ضرب من الجنون والسفه, يعني مثلا يقول لك زميلك في العمل أن المدير أبلغة أنه يسعي لكما في زيادة راتب, فتقول له دون تفكير: ابقي قابلني لعلمك المسبق ويقينك بأن المدير شخص نرجسي لايفكر إلا في نفس! *لعبت كل الألعاب وهي عبارة للدلالة علي اليأس والقنوط والإحباط, فقد حاولت أن تبدع في عملك الذي لم تجد غيره ولايرضي طموحك أو احلامك, فحوربت من زملائك, وجربت أن تخرج بأفكار جديدة لتسهيل العمل, فأجهضها جميعا مديرك المباشر, وحاولت أن تبحث عن عمل في مكان آخر, ففشلت, فتقول في هذا الموقف أنك لعبت كل الألعاب. * ناس ذوق فعلا وهي عادة عبارة تتسع لكم هائل من الانتقاد وأحيانا السباب والشتاتم, فأنت تذهب للإبلاغ عن عطل في التليفون, فيباغتك الموظف وهي يلتهم ساندوتش الفول إنه مش فاضي فتتحول إلي زميلته, فتنظر لك بكراهية شديدة, وتدعي أنها يجب أن تصلي الظهر, فتذهب إلي المدير لتشكو له, فيقول لك مامعناه: هو ده النظام, وأعلي مافي خيلك اركبة. تخرج من هذه التجربة الأليمة لتقول إن الناس في السنترال فعلا ناس ذوق. * لطيف قوي تقابل زميلك في العمل في الشارع ومعه ابنة الذي يرمقك بنظرات تختلط فيها بلطجة الأجيال الجديدة الفطرية بقله أدب مكتسبة, تمد له يدك ليسلم عليك, فينظر إلي يدك بقرف شديد, تسأله عن عمره, فيتأفف وينظر في الاتجاه المعاكس, يرن هاتفك المحمول فتخرجه فتجده نطق فجأة ليسالك بكل بجاحة وسماجة موديلة إية التليفون ده؟! وبدلا من أن تقول له وانت مالك يارذل؟ تجد نفسك تبتسم لزميلك وتثني علي ابنة قائلا لطيف قوي. *زمبة أرض جو وهي الزمبة أو بالأحري المقلب المهني الذي يأتيك من غير أن تدري وغالبا تكون في مجال العمل, حيث تجد زميلك وقد خصص ساعات العمل وجانبا من ساعات غير العمل لينصب لك فخا أو ليطيرك من مكانك أو ليلحق بك ضررا ما وذلك دون سبب واضح. وهو يظل يفكر ويدبر إلي أن يتصيد الوقت المناسب ليفقعك عند المدير زمبة أرض جو, وهي الزمبة التي لا خروج منها إلا بقدر من الخسائر طويلة المدي.