أيام وتفتتح الدورة44 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب بمشاركة ناشرين من نحو30 دولة عربية وأجنبية, تحت شعار حوار.. لا صدام. وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه كما علمونا صغارا, فإن شعار المعرض يدل علي وعي القائمين عليه بالحاجات الفكرية الملحة للوطن والمواطن, ورغبتهم في إرساء توجه فكري يؤصل ثقافة الاختلاف ويجذرها في المجتمع المصري, ويضع أسسا لمفاهيم جديدة في علاقة المواطن بأخيه في الوطن, وعلاقته باخوته في الإنسانية, بما يحقق أهداف ثورة25 يناير في إقامة مجتمع حر قائم علي التعددية الفكرية والعدالة الاجتماعية, يدرك كل فرد فيه أن حريته مقترنة بحفاظه علي حق الآخر وحريته, فايجاد توازن بين ما يراه وما يراه غيره فيما لا يتعارض مع الثوابت الدينية والقيم الاجتماعية هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة. ويحدثنا القرآن الكريم أن الله قد خلق البشر مختلفين في الميول والطباع والخير والشر واللغة والرأي واللون والعرق والإيمان والكفر ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين, فالاختلاف فطرة فطر الإنسان عليها, ومن ثوابت نظام خلق الكون وفيه إثراء لحياة البشر بتعدد الرؤي, لكن بعض الناس من خلال موروث فكري متخلف وتلاحق عهود الديكتاتورية, ترسخت في اللاشعور لديهم ثقافة رفض ما يتعارض مع رؤيتهم, وعدم قبول أو احترام الرأي المخالف, عبر نظرة خاطئة تعتبر من يخالفهم عدوا, وتتجاوز في أحيان كثيرة حدود الأدب في خطابهم لمخالفيهم باتهامهم بالجهل أو العمالة وقد يصل الأمر إلي حد التكفير كما نري في حوارات بعضهم علي الفضائيات, ومثل هذا الخلاف الخارج عن اطار القيم والحرية المسئولة يولد التباغض ويقسم المجتمع. * والتعصب الأعمي للرأي غريب عن قيم الإسلام التي يعتز بها مجتمعنا وعليها نشأنا, ولو عدنا إلي تاريخ المسلمين لوجدنا الأئمة الكبار قد اختلفوا في الرؤي والرأي حول عديد من المسائل الفرعية, وبرغم ذلك لم يتهم أحدهم الآخر بالجهل أو الكفر, بل كان كل منهم يقدر رأي صاحبه, ومبدأهم رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب علي حد تعبير الإمام الشافعي رضي الله عنه. وإذا كان اختلاف العلماء رحمة بالأمة, فان اختلاف الدهماء مصيبة ابتلينا بها, لأن بعض هؤلاء من الرويبضة يتعصبون لرأيهم ويرفضون الرأي الآخر, ويتهمون مخالفيهم بشتي التهم, وتعصبهم هذا لرأيهم يحول بينهم وبين تلمس ما قد يكون في الآراء الأخري من صواب, يقود إذا أخذ به إلي خير الوطن والمواطن, لهذا أجدني مؤيدا للاقتراح الذي دعت إليه حركة شباب6 إبريل بتدريس الديمقراطية وثقافة الاختلاف في المدارس والجامعات, لنبني جيلا من النشء مؤمنا بالحوار البناء. وقد كان القائمون علي معرض الكتاب موفقين في اختيار شعاره فالندوة الرئيسية ذات بعدين, بعد محلي وآخر إنساني شامل, فالبعد المحلي يتمثل في ندوات تكرس لغة الحوار والتفاهم بديلا للتراشق المذموم, منها: الدولة المدنية مصطلح واحد ومفاهيم متباينة, أزمة صياغة الدستور, ثورة25 يناير وبعد اجتماعي جديد, برلمانات الربيع العربي, أحزاب وائتلافات ما بعد الثورة, وثائق الأزهر والوفاق الوطني, السياسات الثقافية بعد الثورة, وغير ذلك من الندوات التي ترصد المتغيرات, وتتناول موضوعات مهمة فرضت نفسها علي الساحة المصرية. أما البعد الإنساني فيجئ متوافقا مع الروح الإسلامية الداعية للتعارف وتبادل المعرفة بين البشر يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, ويتجلي في ندوات العلاقات المصرية الأفريقية بعد الثورة, الرأسمالية العالمية والثورات العربية, أثر الفضاء الالكتروني في صناعة الثورة. تبقي تحية واجبة أقدمها لكتيبة المثقفين التي عملت بجهد وبلا كلل من أجل الإعداد للمعرض ونشاطاته, وعلي رأسها د. أحمد مجاهد, الذي حرص علي مشاركة حشد من المفكرين إلي جانب عديد من شباب الثورة في النشاطات الفكرية والثقافية, ليسهموا بأطروحاتهم في دفع قطار الثقافة والتنمية, وإن عتبت عليه سقوط أسماء بعض أساتذتنا الراحلين من ثلة المكرمين الذين تحتفي بهم الدورة مثل العالمين الجليلين د. عبدالحميد إبراهيم مؤسس مذهب الوسطية, والفيلسوف د. عاطف العراقي, ولعل في الوقت ما يسمح بإضافتهما.