تواجه مصر علي مدي الأسابيع والشهور القادمة تحديا حقيقيا, نتيجته الحتمية إما تجاوز الأزمات الحالية المعروفة لنا جميعا والانتقال لمرحلة البناء لاستعادة وجه مصر المشرق وتأكيد مكانتها وخصوصيتها الممتدة عبر الزمن, والتي سجلتها صفحات التاريخ, وأكدتها الكتب والرسالات السماوية, وإما الدخول في نفق مظلم ينتهي بنا للسقوط في هوة من الفوضي والصراعات والفتن التي ستهدد أمن وسلامة ومستقبل الوطن لسنوات لا يعلم سوي الله عددها أو سبل تجاوزها. ورغم أن لشهر رمضان المعظم سماته الروحانية وطقوسه وعاداته الخاصة التي غالبا ما كانت تتراجع أمامها المشاغل والاهتمامات اليومية المعتادة, بل والمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية, إلا أن هذه الطقوس والعادات لم تفلح أن تنحي هذه القضايا جانبا في عامنا هذا, فجاء رمضان2011 مصبوغا بنكهة سياسية وكان سؤال مصر رايحة علي فين؟! طبقا أساسيا علي مائدتنا الرمضانية. وفي ظني أن صراع النخب والخلاف بين الاطياف السياسية وتناقض الرؤي حول عدد من القضايا والأحداث والمستجدات التي ظهرت علي الساحة, إضافة لحالات التخوين والتشهير مثلت واحدا من أهم أسباب حالة الحيرة المشوبة بالقلق والخوف والتوجس التي استشعرناها جميعا, مما قد يتعرض له الوطن نتيجة لحالة الفرقة والشقاق والتعصب لرأي بعينه ومحاولات إقصاء الرأي الآخر ولو بالقوة. من هنا كانت قضية الاختلاف محور اهتمامنا علي مدي أيام شهررمضان, وعلي مدي الحلقات الثلاث الماضية حاولنا من خلال فكر ورؤي المتخصصين في علوم الدين واللغة والفلسفة والأدب والتاريخ أن نتتبع مساراتها علي مر التاريخ والنتائج التي أدت إليها حالات قمع الرأي الآخر وفرض سطوة الرؤي الأحادية وعصور الازدهار التي عرفتها البشرية والحضارة الإسلامية تحديدا عندما سمحت بحوار نقدي بين أبناء الفرق المختلفة. كذلك حاولنا أن نتعرف علي أسباب الخلاف الذي نشأ بين أصحاب الرؤي والأيديولوجيات المتنوعة من المنظور اللغوي والفلسفي والتاريخي, وفي غمار رحلة بحثنا اتضح لفريق عمل دنيا الثقافة عدد من الحقائق المهمة, كان من بينها أن الاختلاف بين البشر أمر طبيعي يخضع لمشيئة الرحمن إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا-الحجرات13- وأن الاختلاف بين البشر طالما لم ينبع من هوي شخصي ولم يستهدف مجرد المنفعة الشخصية التي تضر بمصلحة الجماعة,رحمة للبشر, بل وأداة للبناء تثري الفكر والروح وتخطو بالبشرية لمرحلة النضج والرشاد. كذلك فقد كشف لنا الحوار مع عدد من مفكرينا عن عدد من أسباب الاختلاف الذي عرفته البشرية علي مدي تاريخها وكان من بينها وربما أهمها الدور الذي تلعبه اللغة في إدراك وفهم الكلمات وتعدد دلالاتها والانسياق وراء مدلولات نشأت في سياقات خاصة أن الاختلاف بين المذاهب الفقهية في الإسلام حدث بسبب أن بعضها كان يلتزم المأثور والبعض يحاول استخدام الرأي وإعمال الذهن في عدد من المسائل الظنية التي تحتمل معاني وأقوالا متعددة ولا تمس جوهر العقيدة وأن اجتهادات المفكرين إبان ازدهار الحضارة الإسلامية لم تصادر الرؤي الأخري ولم تقمعها. و اليوم ونحن نوشك أن نطوي آخر صفحات هذا الملف الشيق الذي اخترنا له عنوان فقه الاختلافنقدم علي لسان عدد من مصادرنا المزيد من الأمثلة المستقاة من تاريخنا عن أساليب التعامل مع الاختلاف وكيفية تحويل الخلاف لأسس بناءة لإقامة حوار حقيقي مستقبلي والاتفاق علي أهداف جوهرية لا خلاف عليها وتحقيق التقارب بين الفرقاء وخلق مساحة للاتفاق بين الآراء المتباينة., فربما نجد من يقرأ ومن يسمع ويؤمن أننا جميعا لابد وأن ننطوي تحت راية واحدة, وأن تكون كل مسيراتنا وخطواتنا للتجمع والعمل علي حماية مصر وردع كل من يحاول المساس بأمنها أو يهدد مستقبل الأجيال القادمة.