جاءت المكالمة الهاتفية, نحن مكتب وزير التربية والتعليم, وجاءت كلمات الوزير المرحبة عبر الهاتف تدعوني لزيارة مكتبه السبب.. مقال كتبته في هذه الصفحة بعنوان البحث عن شمعة, رصدت تجربة تضيء الطريق إلي تعليم متطور, وأشرت في المقال إلي مشروع التعليم من أجل التنمية المستدامة, الذي يجري بالتعاون مع جامعات أوروبية ومصرية لكتابة حزم تعليمية ترسخ القيم البيئية في وجدان النشء وترشدهم إلي الممارسات السليمة للحفاظ علي الطبيعة والحياة ومراعاة نصيب الأجيال القادمة من الموارد الطبيعية. ابتدرني الوزير مداعبا بابتسامة ودودة, هل أتيت معك بشمعة, أجبت بل الشموع لديكم, فمن عندكم يجيء نور العلم. حين جلست, تأملت المشهد وكأنني خارجه, هذا مسئول يتابع مقال قرأه في صحيفة سيارة, فيتواصل مع كاتبه ليتعرف علي المزيد من جوانب الموضوع في تصرف يدل علي الرغبة الصادقة في التعرف علي الأفكار الجديدة والتواصل مع مقترحات التطوير والإصلاح, لقد تغيرت الدنيا. كان من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلي هموم التعليم, فكان الاتفاق علي أن المعلم هو مفتاح التعليم الجيد, فالمعلم النابه يضفي من شخصيته علي جودة التعليم, ويضيف إلي المنهج ولو كان منقوصا, أما إذا كان المعلم متواضع القدرات, فإن حصيلة التعليم ستكون بالقطع متواضعة ومنقوصة مهما كان المنهج جيدا أو متكاملا. كان من الواضح أن قضية التنمية المهنية للمعلم تشغل بال الوزير وقيادات الوزارة. سعدت حين علمت أن الوزارة بصدد استكمال الاستراتيجية القومية لتطوير التعليم, فلقد كانت الوزارة قد وضعت خطة خمسية لتطوير التعليم8/2007 إلي13/2012, نوقشت بتفصيل مجتمعي بمكتبة الإسكندرية فلاقت قبولا واستحسانا, وعرضت علي مجلس الوزراء وقتها فتبناها وقامت الوزارة علي تنفيذها. بدأت الخطة بمراجعة المعايير القومية للتعليم. وقتها كان السؤال ملحا, هل يكفي أن تقول المدرسة عن نفسها أنها جميلة ونظيفة ومنتجة فتصبح كذلك, أم أن هناك معايير حقيقية تتعلق بالرؤية, والإدارة المدرسية, وكفاءة المعلمين ومؤهلاتهم العلمية والتربوية, والمنتج التعليمي أي نتائج تحصيل الطلبة, والبيئة التعليمية بعناصرها المتشعبة والتي تشمل أمان المدرسة وقاعة الدرس, وغيرها من المعايير التي يمكن أن تصبح أساسا موضوعيا لتقييم المدرسة. وتواكب ذلك مع إنشاء هيئة قومية لضمان جودة التعليم تمنح المؤسسات التعليمية التي تتوافق مع تلك المعايير القومية للتعليم شهادة الاعتماد والجودة حتي يمكن الاعتراف بها وممارسة نشاطها التعليمي. واهتمت الخطة بأحوال المعلم, فتم استحداث كادر مهني يترقي فيه المعلم بمعايير الإنجاز والكفاءة والمحاسبية ولا يخضع لمعايير الأقدمية المطلقة وحدها, كادر يرتفع بمكانة المعلم كما يرفع مرتبه ودخله. وتم إنشاء أكاديمية مهنية للمعلم تعني بتدريب المعلمين في مادة التخصص إلي جانب تدريبهم علي أساليب التعليم الحديث والتي تنعكس علي التعلم النشط, حيث يتفاعل الطلبة مع بعضهم بعضا ومع المدرس من خلال المناقشات والتجارب والأنشطة التي يتم تصميمها بإتقان لتوضح المفاهيم والمعارف العلمية, وتحفز الطلبة للبحث عن المعلومة وتفسيرها بمعاونة المعلم, ويتحول المعلم عندها إلي ميسر يقود الدرس دون أن يستأثر بالشرح والحديث أو يكون هو المصدر الوحيد للمعلومة. ويتواكب ذلك مع أنظمة حديثة للتقييم المستمر حيث يقوم المدرس بتقييم الطلبة من خلال الأنشطة المستمرة بدلا من التركيز علي الامتحانات وحدها. واهتمت الخطة وقتها بنظم الإدارة, فتوزعت الصلاحيات والمسئوليات بين المدرسة والإدارة التعليمية والمديرية التعليمية بالمحافظة وديوان عام الوزارة في القاهرة, فكانت خطوة نحو تطبيق اللامركزية, حيث تعمل إدارة المدرسة من خلال مجلس للأمناء يضع سياسة المدرسة التنفيذية التي تتوافق مع خطة التعليم, وأصبح مدير المدرسة يتمتع بصلاحيات مالية وإدارية تتيح له مرونة التصرف في الموازنات المالية والقرارات الإدارية ليتمكن من الإدارة بفاعلية فيستطيع الإثابة والمحاسبة. استرجعت ذلك الماضي الحديث الذي عايشته, ورصدت الفرصة الضائعة حين لم يتم التسويق المجتمعي بشكل كاف لتلك الخطة التي قال عنها مدير اليونسكو السابق إنها علامة في تطوير التعليم ونموذج سيتم تعميمه علي دول العالم ذات نظم التعليم الكثيفة( وكأن قدرنا أن نتوقف عند حدود التنظير ونترك لغيرنا قطف الثمار). نحن علي أبواب عام جديد وعهد جديد وبناء جديد للإنسان المصري الذي تشوه خلال حقبة حزينة, نتطلع إلي تعليم جيد, يوفر المعارف السديدة لأبناء هذا الوطن, ويكسبهم مهارات العصر الفكرية والرقمية, ويصقل قيمهم الروحية ليتفاعلوا مع الحياة العصرية بما ينفع الناس. عدت إلي اللقاء الذي أشاع في قلبي الأمل, وما أردفه من لقاءات في مبني الوزارة مع وكيل أول الوزارة ونائب رئيس أكاديمية المعلم, وتطلعت إلي بناء منهجي يتم فيه مراجعة الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم وتحديثها لتشمل المبادرات الجديدة للتعليم, فضلا عن التسويق المجتمعي لها, فتطوير التعليم مشروع وطن يجدر أن تشارك فيه الوزارات كلها, والإعلام المسئول, والمجتمع الأهلي, والأسرة المصرية لتتضافر جميعها لوضع حجر الأساس لمصر الحديثة. وقلت لنفسي وأنا عائد من اللقاء, لقد كنت أبحث عن شمعة فوجدتها وتمنيت أن تتوهج, فالتعليم هو التنمية والتقدم والرجاء والأمل.