يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد حاول أمس بكلمته التي ألقاها أمام حشد من مؤيديه في دار الأوبرا بوسط دمشق أن ينفي بشكل عملي ما تردد عن اختفاءه عن الأنظار, وحرصه علي عدم الظهور العلني أو الخروج في جولات ميدانية خوفا من تعرضه للاغتيال علي أيدي معارضيه, والتحرك في حيز محدود جدا إلي حد تغيير مكان نومه من غرفة لأخري, وتشديد الرقابة علي من يعدون له وجباته خشية قتله بالسم, مما أسهم بقوة في تصويره وكأنه حدد إقامته بنفسه بعدما أصبحت المقاومة المسلحة قادرة علي استهداف قصره الرئاسي بنيرانها.. جاء ظهوره العلني ليطرح من خلاله مبادرة لإنهاء الأزمة علي حد قوله. ورغم اعترافه بوجود أزمة وصفها بأنها داخلية وإقليمية ودولية, ورغم إدراكه لوجود من يسعي لتقسيم بلاده أولإضعافها, إلا أنه أكد أنها كانت وستظل حرة, مشيرا إلي أن دولا: مثل روسيا والصين وإيران وغيرها تقف مع سوريا حرصا علي مبادئها ومصالحها ورفضها للتدخل في الشئون الداخلية للآخرين. انطوي كلام الأسد علي حقائق ومغالطات عديدة, أولها عدم اعترافه بدوره الرئيسي في هذه الأزمة, وتجميل صورة الدول المؤيدة لسياساته, وتحميل المعارضة وحدها نتائج المحنة التي تمر بها سوريا. أكد الأسد أن سوريا لن تخرج من محنتها إلا من خلال حراك وطني شامل ينقذ الوطن من براثن هجمة لم يشهد لها مثيل دون أن يشير إلي أنه هو من يشن هذه الهجمة الشرسة علي شعبه باستخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ وسلاح الطيران, ودون أن يحدد طبيعة الحراك الوطني الشامل ولا من المفترض أن يبدأه. تحدث عن المعاناة التي تعم سوريا ولا تبقي مكانا للفرح في أي مكان, وعن الألم الذي يخيم كغيمة سوداء علي البلاد وعن فقدان الأحبة وعودة الأمن إلي البلاد وتأمين الغذاء والوقود للشعب.. متجاهلا أنه من وأد تلك الفرحة وصنع هذا الألم وحرم مواطنيه من أحبتهم, وخلط لهم اللحم بالخبز عندما استهدفت قواته المخابز بالطائرات وقتلت المئات منهم وهم يقفون في طوابير الخبز. وبعد كل المجازر التي ارتكبتها قواته في حق الشعب السوري يأتي حديث الأسد عن المشاعر والعواطف ليكشف التناقض والمغالطة التي انطوي عليها خطابه عندما تحدث عن الجروح العميقة التي أصابت أنسجة المجتمع وكادت تمزقه. الرئيس السوري الذي ارتكب أبشع المجازر وقتل أكثر من60 ألف مدني أغلبهم من النساء والأطفال منذ اندلاع الثورة قبل21 شهرا, ودمر أكثر من3600 مدرسة, أكد مسئولية كل مواطن في تقديم شيء لحل الأزمة!! متهما من وصفهم ب أعداء الوطن بقتل المدنيين والأبرياء, وقتل النور واغتيال الكفاءات والعقول وتخريب البنية التحتية وحرمان الأطفال من الذهاب إلي مدارسهم وقطع الكهرباء والاتصالات وإمدادات الوقود, كما اتهمهم بترك الأطفال والشيوخ يقاسون برد الشتاء دون دواء! الأسد تحدث عمن قاموا بتخريب الصوامع وسرقة القمح والطحين ليتحول رغيف الخبز إلي حلم وليجوع المواطن السوري! تساءل عما إذا كان الصراع في سوريا علي كرسي ومنصب أم بين الوطن وأعدائه.. هل هو صراع علي سلطة أم هو انتقام من الشعب الذي لم يعط أولئك الإرهابيين القتلة المفتاح من أجل تفتيت سوريا وتفتيت مجتمعها. واستبعد أن يكون الصراع ثورة مؤكدا أن خلف كل ذلك كان التكفيريون يعملون في الصفوف الخلفية عبر عمليات التفجير والقتل الجماعي, تاركين العصابات في الواجهة داعمين لها من الخلف. ومضي يقول: معظم من نواجههم الآن هم من هؤلاء الإرهابيين الذين يحملون فكر القاعدة, نحن نعلم كيف تمت رعاية هذا النوع من الإرهاب منذ ثلاثة عقود في أفغانستان من قبل الغرب وبأموال عربية وبعد انتهاء مهمة الإرهابيين بتفكك الاتحاد السوفيتي والخروج من أفغانستان انفلت وبدأ يضرب في كل مكان. وزعم الأسد أنه لم يرفض يوما الحل السياسي بل قام بتبنيه عن طريق الحوار, وقال: مددنا أيدينا لكل من يحمل مشروعا سياسيا يدفع بسوريا للإمام, إلا أنه تساءل مع من نتحاور مع أصحاب فكر متطرف لا يؤمنون إلا بلغة الدم أو مع عصابات تؤتمر من الخارج تتبع للغريب فيأمرها برفض الحوار لعلمه أن الحوار سيفشل مخططاته خاصة بعض الدول الإقليمية التي يعلم مسئولوها أن خروج سوريا من أزمتها سيقضي علي مستقبلهم السياسي بعد أن أغرقوا شعوبهم بالأكاذيب وصرفوا مقدرات بلادهم دعما للإرهاب. مختتما خطابه بقوله: إن الشعب السوري سيقف بجانب الشعب الفلسطيني, وإن أي محاولة لزج الفلسطينيين في الأحداث السورية هدفها إبعاد الرؤية عن العدو الحقيقي. أصداء كلمة بشار جاءت عكس ما تمني, وأكاذيبه لم تنطل علي أحد لا من الشعب السوري الذي اكتوي بنيرانه ولا من جانب الغرب الذي لم يحرك ساكنا حتي الآن لإنقاذ المدنيين السوريين من آلته العسكرية. المعارضة السورية رفضت الخطاب. ريما فلحان عضوة الائتلاف السوري المعارض أكدت أم مبادرته تقضي بضرورة العودة إلي المربع الأول, وهذا يعني أن يكون هناك حكومة جديدة, يكون بشار علي رأسها,هذا الأمر مرفوض قطعا. العميد سليم إدريس رئيس هيئة أركان الجيش الحر أعلن من موقعه علي الحدود السورية التركية أن الثوار ليسوا إرهابيين, وأن من يقود عصابة شرسة تمارس التنكيل والقتل بحق السوريين الذين خرجوا عليه منذ قرابة عامين, بل تقوم بحرق الأخضر واليابس في البلاد هم الإرهابيين في إشارة للأسد وقواته. رفض ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الخطاب وطالب بتنحي الأسد عن منصبه مؤكدا أن يدي الأسد ملطخة بالكثير من الدماء, فيما وصفه وزير الخارجية البريطاني وليام هيج ب المنافق, وقال أن وعوده الفارغة حول الإصلاح لن تخدع أحدا بعد الآن. وأكد الاتحاد الأوروبي علي لسان كاترين آشتون مسئولة العلاقات الخارجية به موقف القارة الذي يطالب الأسد بالتنحي عن منصبه ويسمح بانتقال سياسي للسلطة, وقال أنه سيبحث بعناية ما إذا كان الخطاب يحمل أي جديد. كلمة الأسد أكدت من جديد تمسكه بمنصبه ولم تقدم جديدا علي الإطلاق, إلا رسالة إلي العالم تفيد أنه لا يزال مسيطرا علي مقاليد الأمور بدعم روسي إيراني صيني, وأنه ليس خائفا من الظهور كما تردد, وأنه ماض في خياره بالقضاء علي المعارضة المسلحة مهما كان الثمن.