لا أدري السبب الذي يجعل كثيرا من السياسيين الذين يتعاملون مع السياسة بمنظور إسلامي يعيشون عند محطات تاريخية معينة فهم يقولون لك ما أشبه الليلة بما حدث قبل حطين ويشبهون ثورة الشعب بفتح مكة ويؤرخون لانتصاراتهم بوقائع خيبر ويتمنون إدارة معاركهم بدهاء المسلمين في الخندق ويتباكون عند مشاهدة مباريات الدوري الإسباني علي سقوط غرناطة. المثير للدهشة أن يصطف رجال ونساء وأطفال في ميدان سفنكس لإحياء الذكري 521 لسقوط الأندلس بشعارات: احتلال الأوطان لا يمحوه النسيان، والحر لا ينسي المظالم بل ويقف أحد أعضاء تنظيم أحرار السلفية المصرية ليخطب في الحاضرين ويبشرهم بأننا عائدون إلي الأندلس وعائدون إلي إحياء الخلافة في إسبانيا وأوروبا. ولست ضد حرية أي شخص في أن يعبر عن نفسه أو عن أمنياته ولا حتي أن يتعامل مع التاريخ بما يحب ولكنني أتساءل: لماذا يضحكون علينا بالبكاء علي الأطلال ولماذا يخدعوننا بالوهم ولماذا يذهب التائهون بين صفحات التاريخ إلي محطات بعيدة وبدلا من أن يشغلوا الناس بوقائع طواها الزمن فليدعوهم مثلا إلي إنقاذ دمشق أو تحرير القدس أو نجدة الصومال أو الجنوب السوداني فهذه المناطق يمكن أن تشهد مباريات للهواة في السياسة والتاريخ والحياة وليتركوا دوري المحترفين لمن يستطيع إجادة التعامل معه بلا تخلف ولا أمية ولا استغباء في قراءة الصفحات. فكل الشواهد تقف في وجه مجاهدي سفنكس، لتشير إلي أن أمثالهم من المتشددين كانوا السبب الرئيسي في سقوط الأندلس التي تهاوت حصونها ما بين رحي التشدد الديني من جانب الأفراد وديكتاتورية الحاكم في البلدان العربية والإسلامية، مثلما يحدث في كثير من الدول ومنها مصر الآن. فالحاكم ومساعدوه ومستشاروه الذين لا يرون إلا ذاتهم وأسرهم وجماعاتهم ولا يشعرون بالانتماء لباقي شعبهم، فإنهم حتما سوف يسقطون معا بتغييب الشعوب وتزايد معدلات التشدد التي تتراوح ما بين التكفير والتضليل وتصاعد دعاوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ويتعاملون مع دعاة الحرية والمعارضة كتعامل من قادوا الأندلس إلي السقوط فقد نفاهم الأقدمون واستعبدهم المتباكون علي أطلال الخلافة ويريد المحدثون كتم أنفاس الحرية في حناجرهم باسم الدين والسياسة والتلاعب بالأحكام الفقهية. اليوم يتحدث المتجاهلون لحقائق الماضي ووقائع الحاضر وصورة المستقبل عن عودة الخلافة ويتطلعون لاسترداد الدولة الإسلامية في أوروبا تماما مثلما عصفت حروب الاسترداد بغرناطة وجعل الأندلس تتخلص من بقايا الإسلاميين علي يد القشتاليين والأرجونيين ويرفعون رايات الحرب ورد المظالم رغم أن قوة السلاح ليست في أيديهم ولا حتي قوة الاستفادة من التاريخ وكان عليهم أن يربطوا دعواتهم بما يملك الفكر الإسلامي من أسلحة يريدون بتصرفاتهم الحمقاء أن يدمروها وأبرزها التفكير العقلاني الحر الذي أرست قواعده تعاليم الإسلام السمحة، والتي تلقاها وفهمها الغرب فصنع حضارته التي لا حدود لها ولا معالم إلا السماء (والحديث موصول). رابط دائم :