قد يكون ذلك العنوان به قدر من القسوة ولكنه قد يعبر عن حقيقة ما أصبحنا نعيشه الآن كمصريين دخلنا داخل نفق السياسة المظلم وأخذنا ندور داخل هذه الدوائر المفرغة للعبة السياسة. دون الالتفات إلي بقية العوامل الأخري التي عليها تمارس السياسة والتي تعد الأعمدة التي تبني عليها الأوطان.. فالسياسة وحدها عندما تفتقر إلي مقومات الجدية وعندما تفقد القواعد الأساسية التي تمارس عليها تصبح ضربا من الفوضوية وتفقد معناها وقد تطوح بالأوطان في النهاية نحو خط النهاية والحديث الدائر الآن بين جميع الأوساط تنتابه حالة من القلق والتوتر حول مستقبل مصر وأعتقد أن معظم التكهنات قد يخلو من التفاؤل أو أن سمة التفاؤل فياه ضعيفة أو مهتزة ومرتجعة وقد يكون ذلك هو الواقع ولكن كيف يمكن لنا أن نغير ذلك الواقع؟ وكيف لنا أن ننتقل من ذلك المأزق وتلك الأزمة التي أعتقد أنها لن تكون نهايتها بالاستفتاء أو حتي إقرار الدستور وأن الدستور ليس هو مصدر هذه الأزمة علي الرغم من ذلك الجدل الدائر حوله وتلك المكلمات والصراعات والمعارك الدائرة هنا وهناك والتي اتخذت من وسائل الاعلام ساحة لها ليتباري فيها الجميع وكل منا يستعرض وجهة نظرة ويتحدث بنبرة توحي بأنه هو العالم وحده ببواطن الأمور وهو الذي يعرف مصلحة الأمة ومستقبل ذلك الوطن وقد يكون ولكن مصلحة الأوطان لاتتحدد بحسن النوايا أو حتي الرصد والتحليل للواقع ولكن بالإرادة والعزيمة علي تجاوز المحنة وعلي تجاوز الذات والأنا والترفع عن تحقيق نصر أو مكسب سياسي قد يصبح في النهاية بلا مبني عندما يكون علي حساب الوطن وعلي جثتة.. لقد قامت الثورة وأيا كانت التضحيات التي كانت وقود هذه الثورة إلا أن العبرة دائما ماتكون بخواتم الأمور ونتائجها ولكننا حتي الآن لم نصل إلي مرحلة الرضا لما وصلت إليه نتائج الثورة إذ لانزال بعيدين عن الامساك بمكاسب الثورة ولايزال البركان ثائرا وهناك بعض الحمم التي يقذف بها ولاتزال تلك الحالة من الهلامية والاستقطاب والتنميط والخلط للأوراق ومازال لكل منظورة ووجهة نظره الذي يحدد مصالحة وذلك بعيدا عن سقف مصلحة الوطن أو المصلحة القومية بل أن ذلك المفهوم ذاته قد اعتراه الاختلاط والتضارب إذ أن كل فيصل قد يري فيما يفعله ويقوم به هو لمصلحة الوطن وأن دافعه هو المصلحة العامة وقد يكون كذلك إذ أن هذه المصلحة تتحدد وفقا لإدراكه هو وفصيلة إذ ليس هناك وضوح لحدود ومحددات هذه المصلحة وليس هناك اتفاق مابين القوي السياسية علي هذه المصلحة وقد كان اختلاف مفهوم مصلحة الوطن أحد الأسباب وراء تلك الحالة المأزومة التي يعيشها الوطن وأن عدم وضوح المفاهيم بصفة عامة والمصلحة القومية أو مصلحة الوطن أو تعدد المفاهيم هو ما يؤدي إلي اللغط والخلط الذي يختلف بالقطع عن التعددية أو الاختلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية ولكن عندما بفسد للود قضية هنا نصبح أمام مأزق وليس أمام ممارسة ديمقراطية فليست كل ممارسة تبدو ديمقراطية حتي ولو كانت تبدو كذلك ظاهريا من حيث التعدد والاختلاف علي طول الخط وعدم الالتقاء لذلك فإن مدي قدرة الشعوب علي الاختلاف دون أن يصل ذلك إلي خلاف قد يصل إلي تصارع يمكن أن يتحول إلي تقاتل أو حرب أهلية هو الذي يحدد مدي فهمها للديمقراطية ومدي تأهلها لها وقد يقول قائل إننا نتلمس أولي خطواتنا في الممارسة الديمقراطية أو أننا سنة أولي ديمقراطية وذلك صحيح إلي حد بعيد ولكن لابد وأن يكون هناك أولويات وأن هذه الممارسة الديمقراطية لايجب أن تكون علي أشلاء الوطن بل يجب أن تؤدي إلي تحقيق إضافة لذلك الوطن وتؤدي إلي تقدمه لذلك فنحن لابد وأن نفهم وضعنا وأن نقيم حالنا ومن ثم نعرف أن نحدد ماهو الطريق نحو الديموقراطية التي لاتقتصر فقط علي ممارسة قواعد اللعبة السياسية والتي تتجاوز بكثير أدواتها وهي الانتخاب أو الاقتراع والاستفتاء وأن صندوق الانتخابات حتي وإن كان يعد أحد أشكال التعبير عن الديمقراطية ولكنها ليست هي الديمقراطية التي تعني ارادة الشعب في اختيار ليس فقط رئيه أو تحديد شكل الحياة السياسية ولكن في اختيار شكل ونوعية الحياة التي يريدها فالديمقراطية مفهوم شمولي يعد الوجه السياسي هو أقلها حتي ولو كان أشهرها وأوضحها أن حقيقة الأزمة التي نعيشها هي عدم الاتفاق علي المفاهيم أو أننا حديثي العهد بهذه المفاهيم ولم نقم بتطويرها أو هضمها حتي نخرجها في الصورة الملائمة لنا لذلك تتعثر الخطأ ويحدث التخبط الذي يفقدنا الطريق وقد يصل بنا إلي بداية الضياع.. إن مايحدث في مصر ليس سببه الاختلاف حول الدستور ذلك الخلاف الذي وصل إلي حد الاستقطاب ويقسم شعب مصر وذلك أغرب وأخطر مافي القصة وهي أننا قد إنقسمنا والانقسام يعني الخراب وأن أية أمة تنقسم علي نفسها تخرب وقد لايكون عيبا في أن نختلف ولكن العيب هو أن يصل الاختلاف بنا إلي الانقسام فنحن عندما نختلف لابد وأن نعرف كيف نلتقي وأن هناك خطوطا وحدودا للاختلاف وقد نكون لم نصل بعد إلي تأصيل أصول ومبادئ الاختلاف الذي لايؤدي إلي الانقسام والتفتت وفي اعتقادي أن ذلك الانقسام يمكن أن يستمر ويظل كالنار التي تحت الرماد وحتي لو عدلنا عن ذلك الدستور أو أسقط وحتي لو تمت إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية من جديد فالانقسام سيظل قائما وأيا كان من يتولي السلطة سواء الاخوان أو غيرهم لأن القضية في النهاية هي اننا لم نطور أو نملك تقاليد الممارسة السياسية الحقيقية ولم نملك معرفة كيفية الاختلاف دون أن نصل إلي الانقسام أو طريق مسدود فنحن الآن بغض النظر عن ذلك السيل من التحاليل والمكلميات التي تتم هنا وهناك عبر الفضائيات إلا أننا لم ندرك القضية الاساسية والحقيقة فيما يحدث فالتركيز هنا يتم علي الاشخاص أو الفصائل أو حتي الاحداث دون تقصي ما وراءها وأن معظم التحاليل قد تكون حول ردود الأفعال نحن الآن نتصرف في اطار دائرة رد الفعل أي ردود الأفعال فمن يصوتون ضد الدستور لهم إدراكهم ودوافعهم بغض النظر عن صحتها من عدمه ومن يصوتون ضد الدستور لهم إدراكاتهم التي علي أساسها قد أتخذوا قراراتهم وتحدد تحركاتهم وهي قد تكون لها سندها من الصحة ومبرراتها ولكن لم يوجد إدراك حول المصلحة القومية أو مصلحة الوطن كل فيصل من الشعب يحاول أن ينتصر في معركته ولكنه في النهاية نصر وهمي حتي ولو تصور هو أنه نصر حقيقي للديمقراطية فالديموقراطية التي تقود إلي الانقسام الذي يمكن أن يؤدي إلي التناحر الذي قد يصل إلي حد الحرب الأهلية التي بات يتوقعها الجميع فماذا يجدي الدستور لنا عندما تتحول مصر إلي ساحة لأحزاب واطراف متصارعة ومتقاتلة وماذا يجدي الدستور عندما نصل إلي مايترقبه البعض في ظل الاحوال الاقتصادية السائدة الي المجاعة أو ثورة الجياع وماذا يعني لنا ذلك الماراثون من التحليلات والنظريات إذا ماوصلنا إلي نقطة اللاعودة وإلي التراجع بمصر لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة.. أن الثورة قد قامت من اجل تحقيق الحياة الافضل وتعديل الأوضاع وليس لأن نصل إلي ماوصلنا إليه فالحل هو أن نعرف فضيلة الاختلاف التي هي جوهر الديمقراطية الحقيقية والتي تعني نزول الاقلية علي رغبة الاغلبية واحترام الاغلبية للأقلية بشرط أن تكون أغلبية واقعية وفي هذه الحالة لانقر غير الحوار والتنازل والتقارب والفهم والتفاهم والصدق والمصادقة وفوق هذا كله مصلحة الوطن التي يجب أن تسود علي الجميع ويتوقف عندها كل خلاف هنا يمكن أن تصبح لدينا الأرضية التي نفعل بها ومعها كل شيء والتي بها نحقق أهداف الثورة ونبني مصر وأن لا يكون لدينا هذه الديمقراطية وهي تناقشني أناقشك تقنعني أقتلك. gamيlgorgy@gmaيl.com رابط دائم :