في وهج الشمس أشعر وكأنني راسخ..شامخ كعمود النور بأسلاكه الممتدة,وفرح الناس بعينه اليتيمة المبصرة ليلا بعد امتداد الكهرباء للأراضي الزراعية.. أزيد عليه بملابسي التي تكسوني, وتلك العمامة التي تعلو رأسي ويداي المفردتين والأشرطة والخيوط الممتدة, والمتحركة حتي مع نسمات الهواء الرقيقة..فأخالني طائرا يرفرف بجناحيه في السماء الرحبة..لكن شجرة السنط اخرجتني من أوهامي..فلا املك سوي مكاني, وشوال الخيش علي اكتافي ليس جناحين..ومرت أيام ومواسم,أحسد فيها ضلي بامتداد أرضه..وغيابه بغياب الشمس,ولايظل معي إلا صمتي..لأري فيه حقيقتي..فلست إلا مجرد خيال مآتة..خشبتان متعامدتان يكسوهما شوال خيش أوثياب مهلهلة لاتكاد تصلح لصاحبها الحقيقي, لاتقيه البرد ولا الحر, ورأس من قش الأرز ثبتوها بعمامة لأبدو كرجل( فزاعة) بالحقل..تحبني البذرة والنبتة والثمرة, وتجل دوري في بقائهم لوقت أطول تتم من خلاله دورتهم في الحياة, بدلا من الاستقرار في بطون الطيور والغربان العاشقة للحب, خاصة مع حركة الريح التي تهز وجدان كل شيء,وتروح وتغدو منتظرة انتهاء نوبة حراستي عن غذائهم المرصود دون جدوي, أظل صامدا..فيلعنني الطائر العاشق للحب في سره ويطير مبتعدا خوفا من السقوط في شرك الا بعض المتجاسرين والمغامرين بجوعهم وجراءتهم,يقلدهم بعض الطيور السارقة في معركة عير متكافئة أكسبها دائما..فيحصدون بدوري الجليل غلالا وفيرة, حينها أشعر بدبيب روح خاصة مع هيبة الطيور لي. وهطلت أمطار, بلت جوفي في قلب الطين.. سحبت عودي, لكني واقف لم أتحرك..وتحرك عصفور وزقزق خائفا من الأمطار..هرب واختبأ عند القلب, داخل ضلوعي فرش قشي عشا وزقزق سعيدا,آمنا...وتجرأ غيره, وصاحبتني العصافير والغربان والوطاويط وأخرجتني من وحدتي وصمتي. كانت تتغير ألوان حياتي مع ألوان الأرض سوداء, فأعواد خضراء لاتلبث أن تصفر بنضوج المحاصيل, حتي ينتشر اسيادي في الأرض لحصادها..سعيد بنظرة امتنانهم لي في لحظة الحصاد للخير الوفير..كنت أقضي فترة راحتي بعد الحصاد حتي إعداد الأرض للزراعة وسط نظرات التربص والشماتة للطيور الرابضة/المتربصة خاصة عندما ينزعوا عني ردائي وأشرطتي لتجديدها..إلا أن محصولا آخر نبت بمعاول جديدة وغريبة, ترتفع في بضعة أيام لاشهور..بضعة أعواد رصاصية في الأرض شاهقة الارتفاع, سرعان ماتغطت بقبعة واحدة من نفس لونها, فتصير كصندوق كبير..وزهد أسيادي في الباسي حلتي الموسمية الجديدة حتي لاتعتادني الطيور..أو التطلع نحوي بنظرة إجلال اعتدتها, وان خفت حدتها..فما حاجتهم للحبوب بعد استيرادها بمعونات من دول لاتستخدم الفزاعات لتخويف الطيور!!ونصبوني المتهم الأكبر لتردي الإنتاج الزراعي في عموم البلدان العربية, فالطيور والعصافير لاتهبط ولاتشعر بالراحة إلا علي رءوس الفزاعات!..فلا يخشاها إلا الطيور والعصافير الغبية أو الحديثة العهد بحياتها, وكأنهم صدروا لنا الطيور المغتصبة في إحدي معوناتهم المشروطة. صرت أخرسا.. كسيحا.. مغلوبا علي أمري كحارس أعدموه ثم استخدموه..أقف وكلي جراح لاتنزف دماء..وبكيت علي حالي..فهطلت دموع من حطب..فمن سنين وأنا أقف في الحقول أؤدي خدمات جليلة, أقال من منصبي فأصير مخلوق عدم,منزوع الصلاحيات. استيقظ مبكرا كالمعتاد, منزعجا من نعيق الغربان الذي يصم الآذان, وزقزقات الطيور ودبيب جحافل النمل من حولي وفوقي بهندامي المتهريء وهيكلي البالي, وفوق الكيان الجديد..أقف في انكسار وقد استباحتني الغربان والطيور وسرحت علي رأسي, وفكت بمناقيرها مشدة رأسي وجعلت ثوبي أشبه بخارطة العالم السياسية في أطلس مناهج التربية. في احد الأيام اعتزمت الطيور وخاصة الغربان أمرا جللا..حرت في تصنيفه أهو إشفاق أم زيادة في التنكيل, وتعاونوا وحملوني من ارضي عنوة بمناقيرهم القوية..طرت طويلا بمساعدتهم كما حلمت, سعيدا ومتشيا بالتحليق في السماء,أري الناس العملاقة أقزاما في عيني, والطيور الصغيرة صقورا في السماء..وما لبثت أن هبطت وزرعوني في أرض بكر صفراء مترامية الأنحاء. ساعات وأيام غريبا في أرض لا أكاد أعرفها, سعيدا بالبراح والأرض البكر..حتي وجدت أحد العصافير يسقط فوق رأسي حبة قمح ظنا في جوعي..فسقطت من عيني دمعة حقيقية وكبيرة فرحا وحزنا علي حالي من أعداء الأمس,بعد بضعة أيام وجدت نبتة خضراء نبتت من القمحة ودمعتي الفياضة..فسقطت دموع الفرح التي شاركتني فيها الطيور, ودارت راقصة حولها وخلتني أدور وأتراقص معهم,,ورحت أرعاها معهم حتي نضجت واصفرت سنبلتها,وحملت الريح فرحا بذورها..وشاركتنا السحب بدموع الفرح.. فعمت الفرحة قلوب الجميع بتلك النبتات الجميلات,وقد فرشت خضرة علي اللون الأصفر الممتد..عشنا فترة جميلة بين مواءمة ومصالحة, نحافظ فيها علي اللون الأخضر البهيج..حتي غازلت خضرة أرضي عيونه العائدة من قريته السياحية, فترة وجيزة وأحاطت بنا الأسلاك الشائكة علي امتداد مساحات شاسعة..ولم يعجبه منظري البائس, ومصاحبة الطيور وتجرأها علي مقامي..مع استصلاح الأرض وقبل زراعتها, نزعني من بيتي الجديد إلي استراحته الجديدة في أطراف الأرض, فخيال مآتة في شكل مواطن عادي لايجدي مع هذا النوع الخبيث من الأعداء..وأخرج من أحد دواليبه بدلة عسكرية عتيدة مزينة بالأنواط والنياشين..وبعد أن نضي الغبار عنها..ارتديتها بعد إعادة هيكلتي. وفي الليل نصبني بموضعي القديم حضرت الطيور في الصباح كالعادة, صعقت وارتجفت من هيئتي الجديدة..وقبل أن أنادي علي اصدقائي, فروا..ألجمتني نظرته الخارقة لي ومهابتي العائدة..وقد أصاب الغربان والطيور الفزع الشديد, وهربت من كل أنحاء البلاد وفي جميع الاتجاهات, تتخبط بأجنحتها..والتزمت جحافل النمل بحظر التجوال..وعم السكون المطبق المكان إلا من حفيف السنابل مع الرياح.. كأنها جماهير الغوغاء تهتف بحياة الجنرال الشامخ المزين بأنواط الشجاعة, ووسام الخدمة الطويلة والمتميزة الذي يتوسط الحقول..ضحك المالك الجديد, وظل يحدق في الأفق المعتم الي الطاغية الجديد, والنجوم والنياشين تتلالأ علي صدره مع أشعة الشمس الغاربة..وعاد الي قصره سعيدا بعد هذا الانقلاب الهاديء الناجح, بدون أدني مقاومة تذكر..وفي الخارج خيم السكون المطبق علي كل الأرض بعد الهجرة القسرية للغربان والطيور, والتزام جميع جحافل النمل بحظر التجول..رعبا وفزعا من الجنرال ببدلته العسكرية العتيدة, المزينة بالأنواط والنياشين والكاب الكبير..المحافظ علي خيرات الأرض من الأعداء الخبثاء السيد سعيد علام - الدقهلية - بقية سياط الوهن