لاشك أن ما نراه اليوم علي الساحة السياسية يمثل حراكا سياسيا ومجتمعيا لم نعهده من قبل وهو في مجمله يعد ظاهرة صحية يجب ألا نتخوف منها. فبعد أن عشنا علي مدار ستة عقود في حالة من الخمول المجتمعي نتيجة للخوف من بطش الحاكم وسطوة أجهزته القمعية مما أدي بالتبعية إلي أن انخفض صوت المعارضة حتي أصبح واهنا ضعيفا لا نكاد نسمعه إلا بالكاد إلي أن أراد الله لمصر أن تنتهي من هذا العصر البغيض إلي غير رجعة فقامت الثورة المباركة التي هيأ الله لها أسباب نجاحها بسواعد أبناء مصر علي اختلاف مشاربهم وألوانهم السياسية والعقائدية. وما كان لهذه الثورة أن يكتب لها النجاح لولا حدوث التوافق فيما بين الثوار جميعا الأمر الذي تقهقر أمامه نظام من أعتي النظم الديكتاتورية والتسلطية في العالم ثم أعقبت الثورة فترة زمنية دقيقة في تاريخ مصر وهي فترة بناء مؤسسات الدولة بشكل ديمقراطي يحقق ما يصبون إليه المواطن المصري. ويلبي طموحاته في العيش بشكل كريم. ونظرا لاننا حديثو عهد بالديمقراطية وممارسة الحرية لذا فمن الطبيعي أن يحدث بعض التعثر وهو ما رأيناه علي مدار العامين المنصرمين إلي أن جئنا لمرحلة مهمة في تاريخنا وهي تلك الخاصة باستكمال مؤسسات الدولة لكي يكتمل بها الكيان القانوني وتمارس فيها الديمقراطية بشكلها الصحيح من خلال الفصل الحقيقي بين السلطات وهذا بالطبع لا يتأتي إلا بعد كتابة دستور يليق بمصر وثقلها كأول كيان يأخذ شكل الدولة في التاريخ وهو ما أثار جدلا واسعا بين التيارات الإسلامية التي تري أن المنهج الإلهي هو الوحيد القادر علي الوصول بنا إلي بر الأمان لأن صاحب المنهج هو خالقنا وهو من يعلم ما ينفعنا وما يضرنا وفي الناحية الأخري ومن يعتنقون الفكر الليبرالي والذين يخافون من الحكم الثيروقراطي أو الدولة الدينية. ويتطلعون إلي الأخذ بالنظم القانونية في الدول الغربية رغم أن الغرب ما تقدم إلا باتباعه المباديء والقيم الإسلامية. وفي وسط هذا المعترك يحاول كل فريق أن يسيطر علي مجريات الأمور في البلاد وأن تكون له الغلبة علي الفريق الثاني. إلي أن جاءت الإشكالية الأخيرة الخاصة بالإعلان الدستوري وما حدث بسببها من مظاهرات ومليونيات لا أراه انقساما بل هو نوع من التعبير السلمي المتأثر بالحالة الثورية وهو يعبر أيضا عن وجود معارضة حقيقية وليست مستأنسة أو كرتونية كما كان يطلق عليها البعض وهي نقطة تحسب للنظام الحاكم. ولكن.. وإن كان ما سلف يعبر عن حالة الحراك السياسي التي تعيشها مصر إلا أن هناك من يستغل الظروف سواء من بقايا النظام السابق ممن لديهم الاستعداد لبذل كل غال ونفيس من أجل إسقاط الدولة وليس النظام أو من اولئك الذين كانوا طامحين للوصول لسدة الحكم ممن كان يكتب عنهم الكاتب الكبير خفيف الظل أحمد رجب عبده مشتاق وهم من يملأون الفضائيات الآن تنديدا بكل ما يفعله النظام الحالي وكل منهم يأمل في إسقاط النظام ليجلس هو علي كرسي الحكم حتي ولو كان علي حساب الدولة والشعب المشكلة لا تكمن في وجود هؤلاء وإنما تكمن في استغلال هؤلاء للشباب الذي يسعي إلي تحقيق الحرية والديمقراطية إذ يتصيدون الأخطاء للنظام الحاكم ويضخمونها بشكل مبالغ فيه حتي يصلوا بهذه الشريحة المهمة من المجتمع إلي كراهية الحاكم وليس معارضته. وهذا ما اتضح جليا بعد الإعلان الدستوري الأخير إذ عارض البعض بطرق سلمية محترمة في حين تأثر من يسيرون خلف عبده مشتاق وهم قلة قليلة بأفكار هدامة كان من نتيجتها حرق مقرات حزب الأغلبية واستخدام العنف في التظاهر وهم لا يعلمون أنهم مجرد أدوات يحركها الباكون علي النظام السابق لأسباب معلومة للجميع وأيضا المشتاقون لكرسي الحكم ويرغبون في إزاحة النظام الحالي ليجلسوا هم مكانه ومنهم من له علاقات بالنظم الغربية وهرولوا للاستقواء بالغرب ومحاولتهم إدخال الغرب في شئوننا الداخلية لتحقيق أهدافه الخاصة التي لا يعلمها إلا الله. لذلك نخلص إلي أن ما نراه اليوم بعضه يمثل حراكا سياسيا والبعض الآخر يمثل صراعا علي الكرسي...