حقق النضال الفلسطيني انجازين مهمين لهما أبعادهما الاستراتيجية الواضحة. الأول هو نتائج حرب غزة وتغير ميزان القوي الاسرائيلي الفلسطيني. تحقق في29 نوفمبر وهي الذكري السنوية لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة علي قرار تقسيم فلسطين إلي دولة عربية ودولة يهودية بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها عام1947 حيث صوتت الجمعية العامة علي مشروع قرار جديد يعترف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو. بأغلبية138 مع اعتراض9 دول. وكان اصرار السلطة الفلسطينية علي اتمام ذلك النجاح بمثابة تحد للاعتراضات الإسرائيلية والأمريكية علي هذه الخطوة, ثم إن تسلسل الأحداث واضح وبسيط, فإسرائيل كانت تطالب الفلسطينيين ب العودة إلي مفاوضات السلام من دون شروط, في حين كان الفلسطينيون يطالبون إسرائيل بأن توقف أولا بناء المستوطنات غير الشرعية, لأنها تلتهم الأراضي التي يفترض أن تقوم عليها دولتهم. وبينما واصلت إسرائيل هذه السرقة المنظمة, قرر الفلسطينيون, الذين كان يطلب منهم دائما الامتناع عن كل خطوة أحادية, المضي قدما وتحويل الدعم الساحق في الأممالمتحدة إلي أصوات لمصلحتهم. وبالاضافة إلي النصر القانوني المعنوي فإن ترقية وضع فلسطين في الأممالمتحدة تفتح الباب أمام محاولات الضغط للحصول علي المطالب الفلسطينية عن طريق هيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. وهذه الخطوة يراها الكثيرون بمن فيهم المحللون الاسرائيليون أنها تعزز فرص السلام. والواقع ان تلك الخطوة تعزز أيضا منهج السلام والمقاومة السلمية بجميع أنواعها. فقد كانت شرعية أبو مازن علي المحك بعد حرب غزة لأنه يعد انتصارا لخيار المقاومة المسلحة علي الخيار السلمي وفي الواقع فإن الرجل ورئيس وزرائه يحظيان بتقدير المجتمع الدولي وقاما ببناء بنية مؤسسية فاعلة تجعل الدولة الفلسطينية أمرا واقعا. وعلي الفلسطينيين البناء علي هذين الانتصارين عبر المصالحة الشاملة الجامعة لأن حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتانياهو ليبرمان قررت المضي في غيها عبر قرار أحمق اثار فزع وغضب المجتمع الدولي اثر الاعلان عن بناء3000 وحدة سكنية في القدس والضفة بعد أقل من24 ساعة علي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين عضوية مراقب, خطورة القرار أن البناء في منطقة'E1' الفاصلة بين القدس ومستوطنة معالي أودميم, من شأنه أن يفصل الضفة الغربية عن المدينة التي يفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المقبلة. والواقع ان التبرير بالخطوة الفلسطينية أمر خاطيء وغير دقيق لأن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية, بغض النظر عما يفعله الفلسطينيون أو ما لا يفعلونه. إن مواصلة احتلال أراضي الشريك الذي يفترض أن يتم التفاوض معه حول السلام وقيام دولة يمثل نفيا للمفاوضات نفسها, ولذا كان رد الفعل الغاضب للدول الأوروبية( استدعاء السفير الإسرائيلي) تجاه إسرائيل مبررا ومعللا, علي أنه لابد من المزيد من أجل إعادة الزعماء الإسرائيليين إلي صوابهم. وهناك من المؤشرات ما ينبيء ببدء فجوة في مواقف الطرفين الأوروبي والأمريكي, والتاريخ يضيف للمسألة زخما عاطفيا متمثلا في الشعور الأوروبي بالذنب بسبب الاستعمار توافقه ذكريات محرقة اليهود. لقد ساعدت أوروبا علي ولادة وطن لليهود بعد الحرب العالمية الثانية لكن الدعم الشعبي فتر بعد حرب1967 والتي دمرت صورة اسرائيل باعتبارها داود الذي يقاتل جالوت العرب. والان تنظر أوروبا إلي اسرائيل علي انها دولة استعمارية محتلة تقتل الفلسطينيين. كما أن الحكومات الأوروبية تزداد حساسية تجاه مواطنيها من المسلمين وتقوي يوما بعد يوم نظرة أوروبا للشرق الأوسط باعتباره جارا. فالاتحاد الأوروبي أكبر المانحين للسلطة الفلسطينية. أما الولاياتالمتحدة فانهم يشاركون في القليل عمليا من هذه الطموحات وبالنسبة إلي الادارات الامريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية فإن الوقوف إلي جانب اسرائيل يعد ركنا من أركان الايمان تقريبا! ومن هنا كانت المواقف متباينة. غير انه انه لا يجب التفاؤل كثيرا بهذا التناقض بين الجانبين وسادت قناعة لدي المحللين بأن هناك تقسيما للعمل بين الأوروبيين والأمريكيين في الشرق الأوسط. وانه طبقا لهذا التقسيم, يختص الاتحاد الأوروبي بقضايا الأمن اللينة, بينما تتوافر الولاياتالمتحدة علي التعامل مع قضايا الأمن الصلبة. من خلال محاولات إعادة الهيكلة السياسية, وخرائط الطريق والغزو المسلح. ويكمل الدوران بعضهما, حيث يسهل الأمن اللين الطريق أمام الأمن الصلب. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد أن يبتعد الاتحاد الأوروبي عن القضايا السياسية للصراع العربي الإسرائيلي ويقصر دوره علي تسهيل تنفيذ الدور الأمريكي. ويمكن القول إن هناك ثلاثة أبعاد للدور الأوروبي في علاقته بالدور الأمريكي. وهذه الأدوار هي تسهيل الدور الأمريكي'Facilitator', وامتصاص الصدمات الناشئة عن الدور الأمريكي'Shockabsorbr', ودعم الدور الأمريكي صراحة في الأزمات الحرجة'Supporterin.criticalthresholds وسنحاول استعراض هذه الأدوار علي التوالي.