من المؤسف أنه في أعقاب أي قرار أو إجراء حكومي أو حتي مناقشة بعض الأفكار ، ترتفع رايات العصيان ، وتعلو ألوية التمرد .. وتسبق هذه وتلك ، عاصفة من التشكيك المقترن بالاستهجان والسخرية والامتعاض ، ثم تنفجر براكين من التخوين والتكفير ، ومن ثم تتسمم الأجواء ، وتتناثر الاتهامات المتبادلة هنا وهناك ، وفي النهاية يتم "إخصاء" الفكرة ، وإقصاء المبادرة ، وتعليق القرار، أو تجميده إلي أجل غير مسمي .
في تصوري أن هذا الذي يجري حاليا ، من أناس يفترض في معظمهم أنهم ينتمون إلي ما يسمي ب"الصفوة" سواء في موقع الفعل أو رد الفعل ، أمر شديد الحساسية وبالغ الخطورة ، لأنه باختصار يعطي مؤشرات سلبية ، علي وجود خلل رهيب في أهم عناصر "المنظومة" المجتمعية .
ويتجلي الخلل الذي أعنيه في قمة السلطة "الفعل" .. في التفكير والتخطيط ثم التنفيذ ، بشكل انفرادي أناني ، من دون الرجوع إلي القواعد النخبوية أو الشعبية ، بقصد علاج الأخطاء ، أو تدارك القصور ، وبالتالي إفساح المجال أمام إمكانية التهذيب ، والتشذيب، والتحوير ، والتعديل ، والتطوير ، أو ربما التبديل والتغيير ، بما يحقق الهدف ، أو الأهداف التي يفترض أنها "وطنية" ، أي تلبي احتياجات ، وترضي تطلعات غالبية المواطنين ، وليست "فئة" أو "جماعة" ، مهما يكن حجم ونوعية تمثيل هذه الأخيرة ، علي المسرح السياسي .
غني عن البيان طبعا ، أنه من المستحيل إرضاء الكل ، وإقناع الجميع .. حتي وإن كان الجالسون في مقاعد المسئولية ، من الملائكة ، أو من الأنبياء والمرسلين ، لكن حدوث توافق من الأكثرية أمر مطلوب ومرغوب ، بشرط عدم الخروج علي القيم الثقافية والأحكام الشرعية ، التي تعد أساسا وركيزة للثقافة المصرية ، التي بدورها تنبذ الفرقة ، وترفض "الانحلال"، وتمقت الخروج علي العادات والتقاليد ، والأصول المرعية .
علي الجانب الآخر ، هناك خطايا واضحة في مراكز "ردود الأفعال" تبلغ أحيانا حد الإجرام . صحيح أن النقد مطلوب ، والمراجعة واجبة ، والشك مسألة صحية ومنطقية .. لكن بعض المحاولات الخبيثة والمساعي المتعمدة ، لإثارة الغبار ، وهدم المعبد علي رؤوس الجميع - من دون إعمال للعقل أو احتكام إلي الشرع والقانون - شيء مرعب ، يهدد بنشر الفوضي ، وانفراط عقد البلد برمته ، ومن ثم تصبح مصر عرضة للمؤامرات والمزايدات والانقسامات ، مما ينذر بحدوث محن ، وشيوع فتن ، كقطع الليل المظلم ، لن يكون خاسرا فعليا فيها ، سوي البسطاء والشرفاء من عموم المصريين !
كلامي هذا ليس مجرد "تنظير" ، وإنما ينطبق علي كثير من الأفكار، والقرارات ، والإجراءات الرسمية ، ومن أهمها مثلا : غلق المحال التجارية في العاشرة مساء ، وقرار إقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ، وما يعرف بالصكوك الإسلامية ، وما اعتبره بعض المعارضين "أخونة" لسوق المال ، واتجاه جماعة الإخوان ، نحو التوظيف السياسي للبورصة المصرية ، زاعمين أن الأخيرة باتت أداة ، الجماعة لتجميل ما يجري على الساحة، والإدعاء بأن قرارات وزيارات الرئيس محمد مرسى، هي السبب الأكبر فى صعودها.. ومؤخرا حظر المواقع الإلكترونية الإباحية ، وأخيرا الإعلان الدستوري الأخير الذي أثار جدلا ربما يكون غير مسبوق خلال هذه الأيام .. إلي غيرها من القرارات والخطوات السابقة والحالية واللاحقة .
وفي الختام ، أؤكد أن ثمة تطرفا وتجاوزا في الاتجاهين ( اتجاه الفعل واتجاه رد الفعل ) ، لا يصب في صالح البلاد أو العباد بأي حال ، وأخيرا أشدد علي أنني لم أقصد تأييد طرف ، علي حساب آخر ، وإنما حرصت فقط علي التنبيه – من وجهة نظري - إلي مصدر الخطر ، ومكمن الداء .. والله من وراء القصد . [email protected] رابط دائم :