تفيض وقائع الهجرة النبوية بلطائف تعطي العبر والعظات عبر الزمان والمكان, فالهجرة من حيث الظاهر ترك للوطن وهو يعد تضييقا له, إلا أن واقع الحال يقرر أنه حفاظا عليه! فالجهاد في سبيل الله تعالي ظاهره تعريض البدن للتلف والمال للسلب, إلا أنه في أهدافه محافظة علي أبدان وأموال وأعراض, مع ما فيه من إيثار المصلحة العامة عي المصلحة الخاصة, فبالهجرة وما تلاها من أحداث رجع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي وطنه, ليجعله برسالة التوحيد خالدا أبد الدهر, والاستخفاء في الهجرة أمر تشريعي يرسي مبدأ الأخذ بالأسباب وعدم التهور وعدم الإلقاء إلي التهلكة وهذه من حقائق ودقائق حقيقة التوكل علي الله عزوجل , ففعله صلي الله عليه وسلم تشريع يقتدي به, بخلاف غيره فتصرف الغير تصرف من باب العادات أي الأمور الشخصية التي لا دخل لها في تشريع, ومن هنا كان الاستخفاء وبذل الجهد في الأسباب من إجارة دليل, ومخالفة الطريق, والمكث بالغار, كل هذا إرساء لمبدأ الأخذ بالأسباب, وفي صحبة أبي بكر رضي الله عنه له,وتضحيات البيت البكري. * أسماء ذات النطاقين مسئولة الأمن الغذائي لرحلة الهجرة, عبدالله بن أبي بكر واضطلاعه بسماع وتحليل أخبار الأعداء المتربصين ونقل ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم في الغار, وعامر بن فهيرة وتكفله بتوفير الحليب الطازج, وإعفاء الآثار), وتخلف علي رضي الله عنه لرد الودائع دلالة علي أن القوم كانوا يعرفون واقعية الأمانة في سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم , كل هذا يدل علي أثر الإسلام في السابقين الأولين وإيثارهم بذل النفس والنفيس في خدمة الدعوة الحقة, ومدي استجابتهم للدين الحق, وما صاحب الهجرة من معجزات حسية خارقة منها: الحفظ الإلهي لرسوله صلي الله عليه وسلم بإلقاء النوم علي جحافل المتربصين وخروجه صلي الله عليه وسلم بعد أخذ الأسباب بمبيت علي رضي الله عنه في فراشه وهو يتلو قول الله عزوجل وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وما حدث لسراقه وفرسه وهو يلحق برسول الله صلي الله عليه وسلم وتكشف صور الاحتفاء من الأنصار رضي الله عنهم من المحبة المثالية الجارفة إرساء لمبدأ أن محبته ليست في مجرد المظهر الخارجي المجرد عن الشعور الحي, بل المحبة له هي أساس وباعث الاتباع, وقد فقه صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا فكانوا يوقرونه أيما توقير, وكانوا يعرفون قدره فكانوا يتبركون بآثاره مثل شعره, وعرقه, وروي الشيخان في هذا أحاديث مطولة( البخاري كتاب اللباس, باب ما يذكر في الشيب, ومسلم في كتاب الفضائل باب طيب عرقه) وبآثار فضل طعامه ووضوئه, وهي أخبار صحيحة تعطي المثل في صادق حبه. وهكذا تشتمل الهجرة النبوية علي لطائف باهرة,تعلم الدنيا معلما من معالم النبوة الحقة, والرسالة الخاتمة. جامعة الأزهر القاهرة