أحد الإفرازات المهمة لثورة25 يناير التي كانت بمثابة الحجر الذي القي في بركة آسنة فطفا علي السطح ما كانت تخبئه من رواسب ذلك الجدل واللغط الذي من المؤكد انه قد يعد ظاهرة صحية. ولكن ككل الأشياء لا يمكن الأخذ بذلك علي اطلاقه لأنه إذا تجاوز حدا معينا فالمحصلة هي المزيد من الفوضوية والتخبط التي لن تكون لمصلحة أحد لقد استغرق الجدل والخلاف حول تشكيل التأسيسية المزيد من الوقت الذي يفوق الحد والذي يعني تأجيل عدم الاستقرار الذي نطمح إليه والذي يعد علي رأس الأهداف وإذا كنا قد ارتضينا منذ البداية ان يكون لدينا دستور جديد لأننا نريد ان نغير وجه الحياة في مصر نحو المزيد من الحريات السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتحديد العلاقة ما بين السلطات الرئيسية في الدولة علي نحو واضح ليس فيه أي لبس بما يكفل تحقيق العدالة وصفات عدم طغيان سلطة علي أخري وفقا لذلك المبدأ الدستوري العريق المعروف بمبدأ الفصل بين السلطات وذلك لضمان تحقيق العدالة والسيادة ومن مهام الدستور ايضا تحديد طبيعة النظام السياسي وهويته وكذلك المبادئ العامة والخطوط العريضة لنظام الحكم والأهم من هذا وذاك هو تحديد علاقة المواطن بالدولة أي ما هي حقوق المواطن تجاه الدولة وما هي الواجبات نحو الدولة وكذلك كيفية ضمان حقوقه وعلي الرغم من ذلك فإن هذه العلاقة ليست تسير وفق ما يجئ بالدساتير وان التطبيق دائما ما يكون له وضع آخر يختلف عن عما هو مطروح علي مستوي التنظير ومعني ذلك ان ذلك الجدل الكبير وذلك الاستغراق فيه قد يكون مبالغ. فيه الي حد كبير وقد يكون مضيعة للوقت الذي اصبح قصيرا جدا بالنسبة لنا في ظل التداعي الأمني الذي بدأ يعود تدريجيا وبدت هناك بوادر حقيقية لعودته ولكن ليس بالقدر المطلوب الذي يشجع علي جذب الاستثمارات الخارجية اللازمة لدفع عجلة النشاط الاقتصادي وكسر حلقة الركود وتلبية متطلبات الشعب الحياتية فالأمور كلها متشابكة وتعمل كمنظومة واحدة وتعمل علي طريقة نظرية الأواني المستطرقة فالاستقرار لا يأتي إلا بعودة الأمن والاقتصاد ولا تدور عجلته ولا يرتفع معدل النمو إلا بالاستقرار الذي يعد الشرط الأساسي لجذب الاستثمارات الخارجية التي تعد في هذه الحالة ضرورة لدعم وبناء الاقتصاد المصري. من هنا فإن المزيد من الجدل والمزيد من ممارسة قواعد اللعبة السياسية وتحقيق المصالح السياسية التي تتعلق بأمور السلطة والحكم والتصارع عليها ما بين القوي السياسية لابد وان يكون بمثابة مضيعة للوقت والمزيد من الفوضوية وعدم الاستقرار التي تعوق كل مكتسبات الثورة وتقضي عليها ولعل ذلك ما كان وراء كل هذه العبرات التي اطلقت من قبل البعض في الآونة الأخيرة وذلك لمحاولة الالتفاف علي الثورة والنيل منها حيث ان البعض قد وصفها بالثورة العبيطة التي استطاعت بعض القوي والتيارات السياسية الاستفادة منها وهي لم تكن كذلك ولكن الممارسات التي حدثت بعد الثورة ادت الي الخلط والتضارب لقد استغرق موضوع الجمعية التأسيسية الكثير من الوقت وتعقدت وتشابكت الامور علي نحو كبير مما جعلها اشبه بالمتاهة التي لا نعرف سبيلا للخروج منها وقد كان اقحام القضاء في السياسة علي نحو زاد من تعقيد هذه المسألة مع انها في النهاية لا تعدو ان تكون تشكيل لجنة تأسيسية مهمتها وضع دستور لمصر وان هذه لم تكن سابقة أولي بالنسبة لنا حتي ندور في هذه المتاهة فنحن لدينا العديد من الدساتير القائمة والتي وضعت من قبل فقهاء قانونيين وعبرت عن مراحل سياسية مختلفة وتغيرات ومعطيات جديدة أي اننا لا نمارس تجربة جديدة فلدينا دساتير مكتوبة وذلك علي خلاف الدستور الانجليزي الذي يعد اقدم الدساتير في العالم فهو دستور عرفي أي انه دستور غير مكتوب ولكن ما يحدث لدينا الآن هي أزمة في وضع الدستور ولكن الظروف السياسية التي مرت بها الثورة وما حدث بعدها في مراحلها الأولي التي انطوت علي قدر من التشويش قد يعد أمرا طبيعيا في البداية هي التي ادت الي ما نحن عليه الآن وليس ذلك هو السبب ولكن التمادي في ذلك هو السبب الذي ادي بنا الي هذه الحالة لأنه لكي يكون هناك اتفاق علي التأسيسية ولابد وان لايتخذ من ذلك ذريعة للمناورة والمواربة والتعطيل ومحاولة الحصول علي مكاسب سياسية قصيرة الأجل علي حساب المصلحة العامة وعلينا ألا نتمادي في اقحام القضاء في هذه الأمور السياسية وان يكون هناك حد ادني من التوافق وحسن النوايا فيمن حولنا وان الأمور ليست كلها شرا وأن التحسب والتوقع الزائد يأخذنا الي دوائر من الشكوك التي قد تطرح بنا جميعا في بحار الضياع وعلينا ان ندرك أيضا انه لابد وان نكسر هذه الحلقات وان يكون لدينا دائما نقاط للبدء.. أية نقطة بداية وان الدستور في النهاية هو مبادئ عامة سنتفق عليها جميعا إذا ما أزحنا سوء النية وإذا ما زادت مساحات الثقة بيننا. دكتوراه في العلوم السياسية