لا يمكن أن تنجح عملية كتابة الدستور إلا إذا علت المصلحة الوطنية التي يجب أن يتغياها أبو القوانين. وعلو المصلحة الوطنية يعني بالضرورة أن يتجرد من يكتبون الدستور من المصلحة الشخصية, والمصلحة الفئوية, والمصلحة الحزبية, والمصلحة الإقليمية, وأي مصلحة أخري غير مصلحة البلاد. وتلك القاعدة أدعو من يكتبون الدستور إلي تأملها بين الحين والآخر منعا لظهور شروخ في هذا البناء الوطني الحساس. وقد دعاني إلي قول ذلك ما ذاع مثلا عن اتجاه النية إلي النص في الدستور علي رقابة سابقة للمحكمة الدستورية العليا علي بعض القوانين, ومنها قانون انتخاب رئيس الجمهورية, وقانون انتخاب مجلس الشعب, وربما قوانين أخري. ومن الطبيعي أن من يطالبون برقابة سابقة للمحكمة الدستورية العليا علي قوانين معينة يرون أن تلك القوانين حساسة إلي الدرجة التي يجب معها ألا تكون معرضة للحكم بعدم دستوريتها, مع ما يتبع ذلك من تداعيات مثل خلو منصب رئيس الجمهورية أو حل المجلس التشريعي. لكن هذا الرأي مدحوض. فالرقابة الدستورية السابقة علي القوانين تعني أن من يضعونها في مجلسنا التشريعي هم أقل من أن يعلموا ما يوافق الدستور وما يخالفه. وإذا كان هذا شأنهم حال وضع قانون انتخاب رئيس الجمهورية فإنه سيكون شأنهم حال وضع أي قوانين أخري. ولا نريد أن يكون مشرعونا في وضع من يشعرون بأن علي رؤسهم شيء. فقد حان الوقت لانتخاب نواب من مستوي رفيع يعلم الواحد منهم ويعلمون ما يخالف الدستور وما يوافقه وهم يسنون التشريعات. وقد كانت الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية في عهد المخلوع سبة في جبين القوم. والآن لا نريد حتي الحد الأدني من سبة.