ظلت مصر علي مذهب الإمام الشافعي, حتي بعدما دخل الفاطميون البلاد, إذ فشل صلاح الدين الأيوبي ومن جاء بعده, في إقناع المصريين باعتناق المذهب الشيعي, رغم ما يعرف عن أهل مصر من محبة لآل البيت الكرام. لم تعرف مصر المذهبية بمعناها الضيق علي امتداد تاريخها الحديث, إذ ظل تدين أهلها نموذجا لوسطية الإسلام واعتداله, قبل أن يطل علينا في الأيام الاخيرة العديد من شذاذ الافاق, هؤلاء الذين لا يتركون فرصة, إلا وسعوا إلي نشر سمومهم المذهبية في أوساط البسطاء, علي نحو يدعو للريبة, ويثير العديد من علامات الاستفهام. وربما كان من نافلة القول ان الإسلام نفسه لم يعرف المذهبية, إلا بعد عقود من انتقال النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلي الرفيق الأعلي, إذ ظل المسلمون يلجأون إليه في كل كبيرة وصغيرة من شئون حياتهم, قبل أن ينتقل الأمر لأصحابه وخلفائه من بعده, حتي إذا ما انتهي عصر التابعين, انقسم العلماء إلي فريقين, أحدهما عني بالحديث والآخر بالفتوي, وهو ما مهد في عصور تالية إلي ظهور المذهبية, التي انتهت إلي ما يعرفه العامة من المذاهب الأربعة المعروفة, الحنفية والمالكية ثم الشافعية والحنبلية. لم تعرف مصر علي امتداد تاريخها الحديث تعصبا في مذهب, حتي عندما انتقل المصريون إلي المذهب الشافعي بعد مجيئه إلي مصر, رغم أن الأمام الذي تتلمذ علي يد مالك في المدينة, لم تستمر إقامته بها سوي أربع سنوات فقط, وضع خلالها كتابه الذي رد به علي فقه أستاذه, ما أغضب منه المالكيون, فشرعوا في محاربته إلي حد ضربه بالهراوات, حتي مات وعمره لايزيد علي54 عاما. ظلت مصر علي مذهب الإمام الشافعي, حتي بعدما دخل الفاطميون البلاد, إذ فشل صلاح الدين الأيوبي ومن جاء بعده, في إقناع المصريين باعتناق المذهب الشيعي, رغم ما يعرف عن أهل مصر من محبة لآل البيت الكرام, بل أن كثيرا من المصريين لجأوا حينذاك إلي اعتناق مذهب الأشاعرة, في تأكيد جديد لوسطيتهم, هربا من المذهبية الجديدة التي حملها الفاطميون علي مدار فترة حكمهم التي استمرت لنحو مائتي عام. عادت مصر إلي شافعيتها بعد انتهاء عصر الدولة الفاطمية, واستمرت عليها إلي الحين, إلا في أمور الزواج فقط, حيث جسد الأزهر الشريف ولايزال برغم ما يحيكه البعض حوله من مكائد النموذج المصري في الوسطية والتقريب بين المذاهب, عندما فتح أبوابه علي رغم مذهبه الأشعري في الأصول, لجميع الدارسين من مختلف المذاهب, ليقدم الدليل تلو الآخر, علي مدي تحضر المصريين ورفضهم لتلك المذهبية العمياء التي تعاني منها اليوم, العديد من البلدان العربية والإسلامية, وكانت أحد الأسباب الرئيسية في انفجارات طائفية تدفع هذه البلدان, وفي القلب منها سوريا الشقيقة الآن, ثمنها غاليا من حريتها واستقلالها, ومن دماء أبنائها. لقد تحول الصراع المذهبي إلي حصان طروادة, الذي تسعي قوي غربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية, إلي إدخاله إلي العديد من بلداننا العربية, باعتباره السلاح الأقوي لتنفيذ مخططها الشيطاني, في تقويض أمننا واستقرارنا, وتحويلنا إلي مجرد كيانات صغيرة أقرب ما تكون إلي الكانتونات الهزيلة, التي لن تقوي بحال علي صد الخطر القادم. والمخطط واضح, ومن يسعون لتنفيذه لا يعدمون وسيلة, في أن يعثروا من بين ظهرانينا علي من ينفذونه بدقة متناهية, وربما يكفي الاستماع إلي خطبة الجمعة في بعض الزوايا الصغيرة وسط القاهرة, ليتأكد المرء من خطورة ما يجري, فالهدف معروف وواضح وضوح الشمس, وهو تحويل الصراع العربي الاسرائيلي إلي صراع سني شيعي, بكل ما يعنيه هذا الصراع من استنزاف لمقدرات أمة, تدين من عجب بإله واحد, وتتبع نبيا واحدا, بينما أساطيل الأعداء علي بعد خطوات تترقب افتراسها في اللحظة المناسبة. [email protected]