لم تخرج الجماهير لتطيح بالحزب الوطني إلا لأنها لم تجد أدني نور في نهاية النفق المظلم الذي عاشت فيه نتيجة للفساد وللظلم. في هذا الإطار يأتي الحكم علي أداء الحكومة الحالية التي مع عدم شفافية تشكيلها لم تعلن عن خطة لإنهاض الوطن من كبوته. وهنا لابد من الإشارة إلي قرض صندوق النقد الذي تلوكه الألسنة والعقول حاليا, حيث تشير أغلب التحليلات إلي أنه سوف يوفر حوالي ربع احتياج الاقتصاد المصري ليتعافي; ولنتساءل عن كيفية معالجة باقي العجز. القضية لا يمكن حلها بالأساليب العادية, فلابد من خطوات جادة مبتكرة للنهوض القومي. ودعونا نتساءل هل أعلنت الدولة عن مشروع قومي حقيقي للتنمية؟ هل هناك خطة قومية للنهوض مصر أم أنها الحلول المستوردة؟ ولنتساءل عما أبداه أعضاء الحزب الحاكم في مجلس الشعب قبل حله عن قرض أقل في القيمة؟ القضية أننا نشعر بنفس أسلوب النظام القديم في معالجة أمور التنمية وكأننا ندور في فلكه فهل السبب أن العديد من وزراء الحكومة الحالية من الصف الثاني للحزب المنحل؟ ولنتساءل: ألنا في الثورات أمثلة للتطهير, بل ألنا في بدايات ثورة1952 م أمثلة؟ إن معالجة قضية الاقتصاد لا يمكن أن تتم بمعزل عن قضية التنمية ككل. لقد قصرت الحكومة الحالية عن طرح أية خطوات جدية مبتكرة للنهوض بمصر; خطوات لا يمكن لأي مؤسسة دولية أن توافق عليها لأنها تفك تبعية مصر للمنظمات والدول الأجنبية وتطلق يد الإصلاح القومي إن تغافلنا عن الأسس التي ينادي بها الحزب الحاكم من حيث مشروعية الاقتراض! وعما يقال عن الضرورة أسوق موقف سلطان العلماء القاضي العز بن عبد السلام حينما أراد قطز حاكم مصر فرض ضرائب علي المصريين لمحاربة التتار فما كان من العز( الذي باع المماليك الحكام أنفسهم لصالح الخزانة العامة) إلا أن رفض ذلك قبل استنفاذ كافة الطرق الأخري والتأكد من خواء الخزانة من المال اللازم للحرب. أما ولابد من الاقتراض فبعد استنفاذ كافة الطرق الأخري التي لم نسمع عنها ولو همسا وبعدما نتأكد من كيفية سداد بقية العجز. قضية الاقتراض قضية تكبل الأجيال القادمة كما أن فوائد الديون تشكل عبئا علي الجميع. ولنتذكر يوم كنا نستدين ويشتري البعض الدين ويبيعه ويتربح من خلاله. قضية الدين لها انعكاسات عدة في الذاكرة المصرية منذ بناء السد العالي وهي جزء من وجداننا جميعا. لسنا في وضع أسوأ من البرازيل( وتعدادها192 مليونا) عام2002 م فلقد عانت أسوأ من معانتنا حيث العصابات المسلحة والمخدرات والجنس وكانت علي شفا الإفلاس ولكنها سددت في غضون ثلاثة أعوام من حكم الرئيس لولا; حيث الزعامة الحقة والرؤية الثاقبة والأولويات الواضحة التي نتمني أن نتحلي بها; جميع ديونها لتصبح بعد خمسة أعوام أخري ثامن أقوي اقتصاد في العالم. في مسيرتنا الحالية علينا أن نوجد حلولا غير تقليدية للتنمية المجتمعية ولإعمال العدل ومحاربة الفساد المتفشي في كل مؤسسة, فلن يحل مشكلة المرور مثلا تحرير المخالفات لمرتكبيها بل لابد من حلول غير تقليدية لضبط الشارع. أخشي ما أخشاه أن نفقد فورة الحماس للرئيس( الذي نأمل أن نراه زعيما) بعد خطوته الجريئة والصائبة بإرساء أول حجر في الدولة المدنية كما فقدنا الإحساس بالأمل بعد شهر من إسقاط الرئيس مبارك!