بداية تهنئتي للشعب المصري وللرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي علي هذا العرس الديمقراطي حيث اختار شعبه دون تزوير أو تزييف لإرادته, في منافسة حامية بينكم وبين المرشح المنافس الفريق أحمد شفيق, أتت لصالحكم دون فارق كبير. مؤكدة نزاهة قضائية وعسكرية علينا أن نشكرها وأن نثمنها.. بعد أن شكك البعض فيها..! تحدث الرئيس يوم الجمعة29 يونيو من ميدان التحرير فقاد الميدان وبيده الصولجان, مؤكدا أنه يستمد السلطة من هذا الميدان وأنه سيناضل بجماهيره من أجل صلاحيات كاملة وتسليم كامل للسلطة, وأقسم قسمه أولا أمامهم, وكشف عن صدره مؤكدا أنه لا يخشي أحدا, كان خطابا عاطفيا وشعبويا مؤثرا تابعه المصريون والعالم. وفي اليوم الثاني التزم بالمراسم وأدي قسمه أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا في مشهد مهيب كذلك مؤكدا احترام القانون والدستور وحماية النظام الجمهوري! فارق ضئيل يمكن ملاحظته بين المشهدين أن الأول غدا جزءا من كل, فمصر لم تكن ولم تعد ميدان التحرير وحده, بل صارت ميادين تحرير وآن لها أن تجمعها في ميدان واحد.. هو قلبك وعقلك وحكم رشيد! يجيد الانتقال قبل الانتقام ويختط الاستنارة قبل الاستثارة, أو كما قال حسن البنا يوما حين اختلف الناس علي طريقة أداء الآذان: اتحادنا واجب والآذان سنة! يظل الميدان مكانا يتغير آهلوه من وقت لآخر, ففي وقت كان نجومه شبابا وفتيات من مختلف التيارات والائتلافات, قاطعه البعض قليلا ثم عادوا إليه وهكذا يقاطعه من يشاء ويعود, كأي مكان هو لنا ما دمنا نسيطر عليه أو نستأجره, ولكن بعد أن نتركه لغيرنا لا شك أنه يصير لهم, هكذا كانت جمعة قندهار غير جمعة وثيقة السلمي وهذه غير جمعة الدستور أو جمعة الحرائر قبلها بشهور! وفي هذا المشهد المهيب حضر الرئيس وغاب الميدان رغم امتلائه, لأنه لم يكن صوت سوي صدي صوته! أما المشهد الثاني لقسم الرئيس أمام المحكمة الدستورية العليا فهو مشهد أكثر شرعية وأبقي, لأنه حكم القانون الذي لا يمكن رده والإعلان الدستوري المكمل الذي صدر وعلينا جميعا وأولنا الرئيس أن نحترمه.. كان القسم الرسمي والشعبي في آن حيث شاهده ملايين المصريين من الميدان ومن معارضيه علي السواء.. أما ما جذبني وراقني فكانت كلمة الرئيس المنتخب والمتميزة في جامعة القاهرة أمام نخب المجتمع والجامعة, وهي الكلمة الأفضل مطلقا منذ أن تحدث الدكتور مرسي وسمعناه, قبل الرئاسة وبعدها! ففيها أرسل تطمينات للداخل والخارج كانت عميقة وقوية ومؤثرة, من أهمها تأكيده: أن مصر لن تصدر الثورة وفي هذا هو يقطع مع الخوميني والنموذج الإيراني الذي قال بعد نجاح ثورته عام1979 عقيدتنا الأولي تصدير الثورة كما قطع مع خامنئي ونجاد في تأييده للثورة السورية ورفضها إراقة دماء شعبها النبيل وعدم وقوفها بجوار النظام السوري القمعي والمفترس لبراءة شعبه. وثانيها حين تحدث عن علاقات عربية إيجابية تعني الحفاظ علي الاستقرار والأمن القومي وعدم التدخل في شئون الجيران, وهو أمر مهم في ظل تخوف العديد من الدول العربية من رئيس مصر الجديد المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي استقال من رئاسة حزب الحرية والعدالة ليبقي عضوا فيه كما ذكر حيث إن بهذه الدول تنظيمات تنتمي لفكر جماعة الإخوان وتتخوف من دعم الشقيقة الكبري مصر لها في عصر الرئيس الجديد! فكان هذا التطمين مهما كما أكد احترامه وتقديره لدور مؤسسات الدولة المجلس العسكري والقضاء المصري والشرطة! ولم يغبن أحدا حقه! من هؤلاء! رأيته لأول مرة يقترب من صورة أردوغان والنموذج التركي في ابتعاده عن المشاكل مع الجيران ورفضه التدخل في شئون الآخرين! وهو نموذج تحتفظ فيه الدولة بهويتها العلمانية حسب الدستور وحسبما أكد أردوغان حين زيارته لمصر في سبتمبر الماضي, والجيش فيها يحمي هذه الثوابت..! وهو النموذج الذي وعدنا به أردوغان مصر ونظنه أهلا له رغم الضغوط الشعبوية من قبل بعض من ناصروه في الرئاسة من السلفيين برفض وجود نائب قبطي أو امرأة له! ورغم استمرار ارتباطه بالجماعة والحزب اللذين مازالا بحاجة قوية وواضحة لفصل الدعوي عن السياسي! بعيدا عن صفات الصدق والدين والأخلاق التي أراها صفات فردية تخص أصحابها أكثر مما تخص فقه العقود, فالدين واجبة كتابته وكذلك العقود, أظن أن ثمة تحديين كبيرين أمام الرئيس: أولهما هو قدرته علي المواءمة بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية.. فلا يصطدمان, ولا يصطدم هو والدولة منهكة والشعب منهك بأي من مؤسسات الدولة الأخري التي ننتظر أن يقويها لا أن يعاديها بدءا من القضاء وحتي القوات المسلحة.. خاصة وأن رجل الدولة غير رجل المعارضة وغير رجل الشارع, وعليه أن يتذكر أن كثيرا من المستبدين قد سبقوا للشوارع وفتحوا صدورهم, وهم أول من يغتالون شعوبهم مثل نجاد وشافيز والقذافي المقتول وصدام حسين وغيرهم! وظني أن مرسي ابن أرض مصر الطيبة ليس كذلك وأكبر من ذلك! وثانيهما وهو ما اتمناه سيادة الرئيس واستودعه الله والضمير عندك.. المصالحة بين جميع المصريين, من انتموا لمعارضتك ومن انتموا لموالاتك.. لتكون رئيسا يجمع ولا يطرح.. يقسم ولا يضرب.. يدخل علينا بالرحمة والحب والتوافق.. أن تكون رئيسا يجعل كل المصريين ينتمون اليه اخوانا وغير اخوان ثوارا وغير ثوار.. مصلحين ومن يحتاجون الصلاح.. هنا ستكون النهضة! أما رذيلة الانتقام وغريزة التغالب والصراع فلن تبني إلا الكراهية! التي نربأ بمصر ورئيسها عنها..