ثنائيات لا تزال تحبسنا.. وتنحبس فيها مصر كلها.. الانتقال والانتقام.. الديني والمدني.. الثورة والنظام.. القانون والثأر.. الحوار وعدم الثقة! هذه ثنائيات مشهد الاستقطاب المستمر منذ ان انتهت حالة الإجماع الثوري المصري طوال ثمانية عشر يوما من بداية ثورة25 يناير سنة2011, حين كان الجميع يدا واحدةا, الشعب والجيش يدا واحدة, المدنيون والدينيون يدا واحدة, ولكن بعد نجاح الثورة مباشرة تعمق الاستقطاب وتغيرت أشكاله واتجاهاته.. وكانت البداية مع التعديلات الدستورية في19 مارس سنة2011 حيث كان الاستقطاب الإسلاموي من جهة والليبرالي المدني من جهة أخري, وكان الحديث غير المسئول وغير الراسخ علميا أو دينيا, عن غزوة الصناديق, ثم كان الاستقطاب بين الثورة وائتلافات شبابها من جهة وبين العسكري بمساندة إسلامية من جهة أخري, تنوعت قضاياه من المسار السياسي للحديث عن صفقات بين الطرفين للموقف من القضاء ومحاكمات النظام السابق.. وهو ما استمر حتي الانتخابات البرلمانية التي خدمت التنظيمات الإسلامية فيها فكرة القوائم وضعف التنظيمات الأخري أو حداثتها أو غيابها... وكذلك التغول علي الثلث الفردي الذي أصرت عليه الأحزاب الإسلامية, وهو ما حرم الآخرين من القدرة علي المنافسة, وانتهي إلي حل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية العليا التي اعتبرت التعديلات التي أدخلت علي المرسوم بقانون رقم120 لسنة2011 الخاص بانتخابات مجلسي الشعب والشوري بالمرسوم بقانون رقم108 لسنة2011 والمرسوم بقانون رقم123 لسنة2011 غير دستورية وتتصف بالعوار الدستوري, لمخالفته المادة38 من الإعلان الدستوري والإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين... عموما استمر الاستقطاب ليخترق كل طرف مع صعوبة التوافق, فاختلف الليبراليون وشباب الثورة فيما بينهم, وحدثت تغيرات واختلافات فيما بين الإسلاميين بل داخل كل تيار فيهم, ثم حضر الاستقطاب بين برلمان يسيطر عليه الإخوان, من جانب, وبين المجلس العسكري وحكومة الجنزوري من جانب اخر.. وصار هذا الاستقطاب هو المسيطر علي المشهد خاصة مع طرح الإخوان مرشحا للرئاسة, ثم مع الانتخابات الرئاسية ودخول محمد مرسي جولة الإعادة, التي تعلن نتائجها بعد كتابة هذا المقال التي استبقها الإخوان بإعلان النتائج ثم بالتصعيد رفضا لقرار حل البرلمان والاعلان الدستوري المكمل أو المكبل حسب تعبيراتهم, وهي المواقف التي تصاعدت معا مع إعلانهم الفوز من طرفهم.. ولكن الطرف الآخر لم يمهلهم كذلك واستحقاقا لها وردا علي استباق منافسها اعلنت حملة الفريق أحمد شفيق فوز مرشحهم وخطب شفيق كما خطب مرسي.. وتمدد الاستقطاب بين الميادين فتظاهر الأولون في ميدان التحرير وتظاهر الآخرون في مدينة نصر في تظاهرات حاشدة كذلك.. الاستباق لنتائج اللجنة العليا للانتخابات اعتبره الكثيرون ضغوطا عليها وترهيبا لها وللآخرين, ورغم ما يطرحه المستبقون من أرقام شكك البعض فيها كذلك ومن مبررات قانونية لشرعية اعلان اللجان الفرعية للنتائج وحسب محاضرها التي يشكك فيها البعض كذلك كما يشككون في نتائج حملة شفيق التي سربت كذلك.. إلا أن الحقيقة ان حكم القضاء صدر أو سيصدر بعد كتابة هذا المقال بين مشهد الاستقطاب بين الطرفين لا شك ملئ بالعقلاء ولكن لا شك ايضا انه مشهد مكهرب قد ينفجر ويأتي بما لا يحبه أي مصري... الشك في تزوير الانتخابات غير منطقي بعد احد عشر انتخابا بعد الثورة, شهدها المصريون خالية من التزوير, وهذه اللجنة التي نستبقها هي التي أعلنت نتائج المرحلة الأولي, وحكمت بما قبله الجميع في النهاية وعلي مرشحي الإعادة أن يقبلا حكمها فقاض في الجنة وقاضيان في النار ولا حكم علي القاضي إلا الله وضميره.. وكيف نقول نتائج نهائية ثم نقدم طعونا! وننتظر النتائج فيها! لم يستطع مخيال بعض الإسلاميين والمتعصبين لمرشح جماعة الإخوان محمد مرسي في البداية ان يتقبل فوز المنافس أحمد شفيق, وهددوا في البداية, وكذلك بعض الأناركية من شباب الثورة, تصريحا بالرفض للنتائج إن أتت به, ويصرح البعض من أنصار الفريق شفيق وإن لم تكن حملته بأشياء شبيهة, فلا يتصورون الحكومة الملتحية تحكم مصر المدنية.. خاصة وأنه قد ينصب بينما بدأت الثورة السودانية ضد نظام البشير في السودان الذي انتهي ببلده للكساد والانقسام! الذي قد يزداد مع بقائه! ولكن تقبل عقل بعضهم هنا وهناك ما طرحه العقلاء من القبول به متي حضرت حيثيات حكم اللجنة العليا واضحة! فهي الأدري بالصحيح والخاطئ وهي الفصل في المسار والطعون عليه! لعل هذا الاستقطاب أضاع فرحة المصريين بانتخابهم أول رئيس لهم بعد الثورة, وزاد من أرقهم تهديد بعض الخطباء والمتعصبين بالفوضي متي فاز مرشح بعينه, وهو الفريق أحمد شفيق, ولكن لا شك أن الدولة ابقي من التنظيم ومصر أبقي من فصيل فيها يتعصب لهذا أو لذلك ولن يقبل مصري مخلص تدخلا أجنبيا أو خارجيا أو بلطجة داخلية وإثارة للفوضي وأعمال العنف! وفي حال انجر بعض الإسلاميين للعنف كما انجر أنصار جبهة الإنقاذ الجزائرية لسيناريو العنف طوال الثمانينيات وحتي اواسط التسعينيات فليعلم ان الجزائريين لم يعذروهم ولم يتعاطفوا معهم حتي الآن, فمشهد جبهة الإنقاذ التي انتهت ولم يعد لها وجود في الجزائر, صار هو مشهد العنف الدامي العنيف والعشوائي! هذا درس للإسلاميين متي لم يفوزوا وفاز الفريق شفيق الذي أرجو أن يحقق المصالحة بين الثورة والدولة عبر تبني الأخيرة لأهداف الأولي... وأن يمكن لمناخ الثقة في مؤسسات الدولة... يقيني أن المهمة الأولي للرئيس القادم الذي سيعلنه فاروق سلطان وليس هذا الميدان أو هذا الميدان ستكون المصالحة والتمكين لدولة القانون ووضع الدستور.. عليه أن يجمع المصريين حبا منه وثقة فيه وتواضعا لكل فصائلهم الوطنية دون تصنيفات فكرية أو تاريخية.. فهل ستنجب مصر هذا الرجل.. آمل أنه هو! وآمل ان نكون بجواره.. رجل لمصر وليس لتنظيم.. أو لمؤسسة هكذا ننتقل ولا ننتقم فالانتقال هو البناء والانتقام هو العدم! كاتب وصحفي